جار التحميل...

°C,

العمل التطوعي بين الاستدامة والتنوع

April 25, 2023 / 12:38 PM
إن اعتناء الشريعة الإسلامية بالقيم الإنسانية منبثق من خاصية الشمول التي امتازت بها، وحرصت على تمثلها في كافة أحكامها، ومن تلكم القيم الاجتماعية التي ظهرت في تشريعاتها ونظمها التي حثت المكلفين على السعي في كافة أبواب الخير والبر، وترسيخها في النفس ابتداء، وفي التعامل مع الغير؛ فكان منها ما يعود نفعه على المكلف من أداء النوافل، وغيرها من العبادات غير المفروضة، ومنها ما يعود نفعه على غيره على وجه التبرع سواء أكان مادياً أم معنوياً ابتغاء الأجر والثواب من الله عز وجل.
وهذا هو محل المقال؛ إذ أن العمل التطوعي يقوم في أصله على التبرع من المكلف بفعل شيء ما من تلقاء نفسه اتجاه الغير، وهذا يمثل عين التفاعل الاجتماعي من قبله اتجاه مجتمعه وأفراده بكافة مكوناته استشعاراً منه بالمسؤولية المجتمعية اتجاههم.

وهو دليل الانتماء لدينه ووطنه، والمشاركة في البناء والعطاء، وتجسيد لمعاني التآخي والترابط بين أفراد المجتمع، وتوثيق عرى الأخوة والمحبة بينهم مما يمثل معها- العمل التطوعي- الوجه الحضاري للمجتمع، ودالة على عمق التعاون والتكافل بين جميع أطيافه تحقيقا للنهضة والرقي.

وهذه المعاني وغيرها التي ينطوي عليها العمل التطوعي نلمسها صراحة ودلالة في تلك النصوص الشرعية التي تشهد له بالاعتبار، ومنها على سيبل المثال لا الحصر قوله تعالى:" ومن تطوّع خيراً فإن الله شاكر عليم"(البقرة:158)، وقوله تعالى" فمن تطوّع خيراً فهو خير له"(البقرة:184)، وقوله تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"(المائدة:2).

وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(رواه البخاري)، وقوله صلى الله عليه وسلم:" من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له"(رواه مسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(رواه البخاري)، وقوله صلى الله عليه وسلم:" ، وقوله صلى الله عليه وسلم:" أحب الناس إلى الله عزوجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً"(رواه الهيتمي).

فهذه النصوص وغيره واضحة الدلالة في الحث على التطوع في كل ما فيه نفع للناس، وتكريس مفاهيم التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع في أبعد مدى لها، واتخاذها منهج حياة ترتسم معالمه في سلوك الفرد بحسب قدرته واستطاعته بما يملك من إمكانيات سواء كانت مادية أم معنوية، وبه يظهر أن العمل التطوعي يمثل مصلحة مجتمعية، وضرورة حضارية لما يعكس من صور إيجابية عن مدى التفاعل الاجتماعي الذي يحقق مقاصده الإنسانية.

وتحقيق ذلك يتطلب ترسيخه ثقافة مجتمعية يعتمد في برامجه الاستدامة في أعمال البر والخير، وتقديم العون والمساعدة عبر الأجيال المتعاقبة بالتربية على مبادئه وقيمه النبيلة، والتكوين المعرفي الذي يبني الشخصية المتوازنة في سلوك الفرد، وتعزز قيم التعاون والتراحم، وتقديم النفع للغير من أجل استمرار مقاصده وأهدافه وثمراته المنشودة في كل زمان ومكان، وكما أنه يتطلب التنوع في المجال والنطاق حتى تعم الفائدة والنفع في قطاعات المجتمع المختلفة من الطبية، والتعليمية، والرياضية، والاجتماعية، والبيئية، والترفيهية، وغيرها مما تحتاج فيه إلى مساهمة فعالة من قبل أفراد المجتمع.

إلا أن ذلك منوط في الأمرين أن يتم وفق قوانين الدولة التي تنظم أحكامه الخاصة به، وترسم معالمه، وتوزع أدواره، وتحدد مجالاته، وتضبطه وفق التخصص من أجل منع التداخل بين أعمال المتطوعين، وتحصل ثمراته لتحقيق هدفه القائم على النفع العام الذي لا يتحصل إلا إذا كان وفق ضوابطه ومعاييره المرسومة من قبل الدولة، وهذا ما يرى في دولة الإمارات العربية المتحدة تشريعاً وتطبيقاً كنموذج حضاري يحتذى به في الواقع المعاصر.

ومما لا يخفى على كل ذي بصيرة أن عوائد التطوع على مستوى الفرد والمجتمع لا تحصى؛ فترى فيه استثمار أوقات الشباب في الأعمال النافعة للمجتمع، واستغلال طاقاتهم المتاحة وتوجهها التوجيه الأمثل، وتطوير مهاراتهم الحياتية في ميادين مختلفة، وتحقيق التماسك الاجتماعي الذي يعزز الترابط بينهم وبين ومجتمعهم، وانتمائهم له، واستشعار الحس بالمسؤولية اتجاهه، وهو ما يدفع إلى البذل والعطاء من أجل تحقيق الإنجازات والتقدم المنشود منهم.
April 25, 2023 / 12:38 PM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.