هذه الجملة جزءٌ من آيةٍ جليلةٍ عظيمةٍ، هي قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ"، فهذه أوصافٌ أربعة للقرآن الكريم ذكرها الله تعالى في آيةٍ واحدةٍ: "مَوْعِظَةٌ"، "شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ"، "هُدًى"، "رَحْمَةٌ"، وسأخصص الوصف الثاني بالحديث هنا.
وثمة تأثير عجيب يحدث في النفس عند تلاوة هذه الجملة من الآية، "وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ"، كأن حِملاً جاثماً على الصدر قد انزاح، وكأن الشفاء قد حل في القلب فغمره، وكأن السكينة قد انسابت بين جنبات النفس فاطمأنت ولانت لربها عز وجل.
يخبرنا ربنا تبارك وتعالى في هذه الجملة، أن القرآن العظيم شفاء لما في الصدور، ونلحظ أن لفظة "شِفَاءٌ"، جاءت نكرة، وهي تفيد التعظيم هنا، وفي هذا دلالة على أن الشفاء القرآني ليس كأي شفاء، بل هو شفاء عظيم، والصدور هي القلوب؛ عبر بالصدر عن القلب لأنه محله "كما يقول البقاعي في تفسيره"، والمقصود بالشفاء فيها: أي شفاء جميع ما يعتري القلب من أدواء؛ كالأمراض العقدية، والأمراض الخُلقية، والأمراض النفسية، وهذا العموم أفادته "ما" الموصولة.
فإذا كان القرآن شفاءً لما في الصدور "كما أخبرنا ربنا جل في علاه"، فينبغي أن نتخذه كذلك، وأن نعلم علم اليقين أنه الشفاء التام لكل الأسقام القلبية، التي لا يخلو امرؤ منها في عصرنا الحاضر، وأنه العلاج الناجع لما نعانيه من الخواء الروحي، والدواء الأكيد لما نشتكيه من قلقٍ غير معروف المصدر، ومن حزنٍ وكآبةٍ مجهولي السبب.
إن هذا القلق النفسي ما حل بيننا إلا حين هجرنا ذاك الشفاء الرباني، وما كان هذا الظمأ الروحي، إلا عندما أعرضنا عن ذاك العلاج الإلهي، الذي هو رَوح الرُّوح، وسكينة النفس، وطمأنينة القلب.
فوصيتي لنا جميعاً أيها القراء الكرام أن نجعل لنا ورداً يومياً نقرؤه من كتاب ربنا، ورداً لا نتنازل عنه مهما كانت المشاغل والمسؤوليات، ورداً نعالج به أنفسنا، ونحيي به موات قلوبنا، ولنبدأ بقراءة صفحة واحدة من القرآن كل يوم، تكون لنا بمثابة الزاد الروحي اليومي، ونحرص عليها كحرصنا على الزاد الجسدي بل أشد.
إننا بالتفاتنا إلى هذا الشفاء الإلهي سنجد قوةً على الطاعات، ونفوراً عن السيئات، ونجد الرواء الروحي الذي نرنو إليه، والسعادة النفسية التي نسعى لها، والهداية الربانية التي نطمح إليها.. ومن جرب عرف.