غالباً ما يعتقد الناس أن الاكتئاب مشكلة للبالغين فقط، ولا يعاني منها الأطفال، ولكن في الحقيقة أن الأطفال وخاصة المراهقين قد يعانون من الاكتئاب، وهذه الحالة تتعارض مع قدرتهم على الأداء الجيد في المدرسة وتطوير العلاقات والحفاظ عليها، ويمكن أن يكون لها تداعيات دائمة، خاصةً إذا لم يلاحظها أحد ولم يتم علاجها.
وعادة ما يكون الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين مصحوباً بمشكلات سلوكية أو تعاطي المخدرات أو اضطرابات عقلية أخرى، كما أن الاكتئاب يظهر عند الأطفال والمراهقين بشكل مختلف عما يظهر عند البالغين، لذلك لا يستطيع الآباء دائماً التعرف على المشكلة، وغالباً لا يتم تشخيصها وعلاجها.
إن الاكتئاب حالة طبية شائعة تتجاوز الحزن اليومي، فقد يسبب أعراض عميقة وطويلة الأمد، من ناحية أخرى فإن الاكتئاب قابل للعلاج، حيث يمكن للعلاج النفسي والأدوية والتدابير الأخرى، أن تخفف الأعراض وتساعد الأطفال والمراهقين على النجاح في المدرسة وتطوير علاقات صحية والحفاظ عليها والشعور بثقة أكبر بالنفس.
الأسباب:
إن الأسباب الدقيقة للاكتئاب غير معروفة، لكن تشير بعض الدراسات إلى أن الجينات والبيئة كلاهما يلعبان دوراً مهماً في الإصابة بالاكتئاب، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لسلوكيات وأفكار الفرد أن تلعب دوراً في تطور الاكتئاب ومساره، فعلى سبيل المثال، ميل الأشخاص المكتئبين إلى التشاؤم بشأن المستقبل وأنفسهم ومحيطهم قد يعرضهم لخطر الإصابة بالاكتئاب.
إن المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ والتي تسمى الناقلات العصبية "مثل السيروتونين والنورادرينالين والدوبامين) تشارك في ظهور الاكتئاب، وهذه الناقلات العصبية تسمح للخلايا في الدماغ بالتواصل مع بعضها البعض، وتلعب دوراً أساسياً في جميع وظائف الدماغ، بما في ذلك الحركة والإحساس والذاكرة والعواطف.
عوامل الخطر:
كما ذكرنا سابقاً، لا يوجد سبب واضح للاكتئاب لدى شخص معين، ولكن هناك بعض عوامل الخطر التي يبدو أنها تزيد من فرصة إصابة الطفل أو المراهق بالاكتئاب، وتشمل هذه:
● تاريخ من الاكتئاب لدى أحد الوالدين أو الأشقاء.
● المشاكل الأسرية وخاصة المشاكل التي تؤثر على علاقة الطفل أو المراهق مع الوالدين.
● التعرض لصدمة مبكرة "مثل سوء المعاملة والإهمال وفقدان أحد الأحباء في وقت مبكر من الحياة".
● مشاكل مع الأصدقاء أو المدرسة.
● النظرة السلبية أو ضعف مهارات التأقلم.
● تاريخ من اضطرابات القلق، وصعوبات التعلم، واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط أو مشاكل السلوك.
● تاريخ إصابة الدماغ أو انخفاض الوزن عند الولادة.
● الأمراض الطبية المزمنة.
الأعراض والتشخيص:
يستند التشخيص على التاريخ المرضي للمصاب مع الفحص السريري بالإضافة إلى وجود الأعراض التالية والتي يجب أن تتواجد كل يوم تقريباً لمدة اسبوعين متتاليين أو أكثر:
1. المزاج المكتئب أو الحزن معظم اليوم.
2. عدم الإحساس بالمتعة عند القيام بالأنشطة أو الهوايات وغيرها.
3. فقدان الوزن بشكل كبير رغم عدم اتباع نظام غذائي أو زيادة الوزن، وكذلك نقصان أو زيادة في الشهية.
4. الأرق أو فرط النوم.
5. التعب أو فقدان الطاقة.
6. الإحساس بعدم القيمة أو الشعور بالذنب المفرط أو اليأس.
7. انخفاض القدرة على التفكير أو التركيز ومشاكل في الذاكرة والنسيان.
8. التحدث أو الحركة بشكل بطيء جداً أو العكس.
9. التفكير بالموت بشكل متكرر، أو التفكير بالانتحار دون وجود خطة محددة.
والجدير بالذكر أنه يمكن أن يتخذ الاكتئاب أشكالًا عديدة ومستويات متفاوتة في الشدة، فالأطفال والمراهقين يفتقرون أحيانًا إلى النضج العاطفي والفكري لإدراك أنهم يتعاملون مع الاكتئاب، لذلك قد تظهر عليهم علامات الاكتئاب على هيئة مزاج سريع الانفعال، والذي يمكن أن يظهر على شكل شعور "بالانزعاج" أو "الغضب" من كل شيء وكل شخص، وبدلاً من التعبير عن الحزن، قد يكونون سلبيين ومثيرين للجدل، ويختارون الشجار كوسيلة للتعبير ويميلون إلى الاعتقاد بأن كل شيء "غير عادل"، أو يشعرون بالعجز أو أنهم يخيبون آمال الآخرين.
أيها الأب وأيتها الأم ... متى تطلبان المساعدة بشأن الطفل؟
قد لا يكون الوالدان متأكدان مما إذا كان طفلهم يعاني من الاكتئاب أو أنه يعاني فقط من مشاكل طبيعية في الطفولة أو المراهقة، فإذا لاحظ أحد الوالدين تغيراً في مزاج الطفل جنباً إلى جنب مع تغيير في الأداء (على سبيل المثال، الأداء في المدرسة أو التفاعل مع الأصدقاء أو العائلة)، يجب استشارة الطبيب في أقرب وقت ممكن لمعرفة ما إذا كان الطفل أو المراهق يعاني من الاكتئاب والبدء في علاجه.
العلاج:
إن التثقيف الأسري عن الاكتئاب مهم جداً قبل اتخاذ القرارات بشأن خطة العلاج، حيث أن فهم كيفية تأثير الاكتئاب على مزاج الطفل أو المراهق وتأثيره على الأفكار والسلوك يمكن أن يساعد في علاج المريض وشفائه، وكذلك من المهم توضيح دور الوالدين وأفراد الأسرة الآخرين والمعلمين خلال مرحلة العلاج.
وهناك العديد من الأساليب العلاجية للاكتئاب، ويرجح أن الجمع بين أكثر من علاج من الممكن أن يساعد في تخفيف الأعراض بشكل كبير، بالإضافة إلى ذلك فإن العلاج يعتمد على الكثير من العوامل ومنها شدة الأعراض ومدى تأثيرها على حياة الطفل.
من الأساليب العلاجية:
1-العلاج السلوكي المعرفي وهو علاج قائم على مساعدة المريض في إدراك طريقة تفكيره السلبية ومحاولة تغييرها إلى أفكار إيجابية.
2-الأدوية المضادة للاكتئاب، وتوصف حسب شدة الاكتئاب ويظهر التحسن بعد أسبوعين من الاستخدام.