كيف تبدو الحياة الاجتماعية في زمن كورونا وما بعده؟ هل تعطلت الحياة الاجتماعية وتعطلت معها عجلة الحياة الاقتصادية؟ وما الآثار السلبية التي أحدثتها الجائحة في حياة الإنسان؟ وكيف يمكن معالجة الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية في ظل هذه التداعيات المستمرة على مدار العامين المتتاليين؟
هذه الأسئلة وغيرها تطرح بقوة في كل الملتقيات والحوارات؛ خاصة أنّ جائحة كورونا انتشرت في كل العالم وفي المنطقة العربية وهذا الفيروس لا يعرف حدوداً ولا كبيراً أو صغيراً، وقد ألحق أضراراً كبيرة في حياة الناس الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وفي كل مناحي الحياة.
ومن هذا المنطلق جاءت دعوة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة لعقد المؤتمر الدولي الثاني "ديناميات الحياة الاجتماعية في زمن جائحة كورونا وما بعدها : مقاربة الحياة الأسرية، والتعليم، والتنمية المستدامة" وذلك يوميّ 21- 22 مارس 2022، لمناقشة تداعيات هذه الجائحة وأثرها على معظم الأنساق المجتمعية.
وما أحدثته من اختلالات في موازين الحياة وفي مختلف القطاعات الحيوية؛ القطاع الصحيّ، والتربوي، والتقنيّ، والعمل، والتنمية المستدامة وغيرها، كما انعكست تأثيراتها أيضاً على الخبرات والتجارب الحياتية للأسرة النووية؛ النواة الأساسية في المجتمع والركيزة المهمة بين مختلف الأنساق المجتمعية.
ويأتي المؤتمر في وقته وزمنه لكي يجيب في محاوره المتنوعة عن الأسئلة المختلفة التي تثار بين حين وأخر في المنتديات والمؤتمرات واللقاءات الكثيرة، وجميعها تنتظر من يقرع الجرس ليجيب عنها.
وها هي كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة تتصدى لهذه المسألة بعقول مفتوحة ورؤية واضحة لمعالجة الاختلالات الاجتماعية الكبيرة التي بدأت تتسع في أواسط الحياة الاجتماعية، وها هو المؤتمر يفرد محاوره الرئيسة والفرعية كي يواجه تلك الأسئلة بمحاور علمية مدروسة بعناية، بعد أن تحول المنزل إلى مكان العمل، وبعد ان فقد الكثيرون وظائفهم وعملَهم، وبعد ان وجد هؤلاء اقتطاعات هائلة من رواتبهم.
كل هذا من شأنه أن يعيد ترتيب الأدوار الأسرية، وميزانية الأسرة، فضلاً عن انخفاض المستويات النفسية والتوترات الأسرية الناتجة عن صراعات الأدوار فيها فضلاً عن ثقل أعبائها.
ولمّا كانت الجامعات هي الحاضنة العلمية الحقيقية لإنتاج المعرفة والعلم، جاءت فكرة عقد المؤتمر في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية إسهاماً منها في ردم الهوة التي أحدثتها هذه الجائحة، وذلك لإعادة ترتيب الأولويات الاجتماعية والانتقال بها من الأفكار النظرية إلى التطبيق العملي، لأن المجتمع يحتاج من يضيء له النور في أول الطريق، والجائحة نالت من الهمم وأحدثت شروخاً نفسية لا تمحي لسنوات قادمة.
ولذلك قامت كلية الآداب بوضع كافة الترتيبات واللمسات المهمة لعقد هذا المؤتمر من خلال دعوة أهل الاختصاص والخبراء الاجتماعيين والنفسين وذوي الشأن لكي يناقشوا كل التحولات التي رافقت الجائحة على المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية التي خلخلت التماسك الأسري، وأحدثت فيه العديد من السلبيات وتزايدت مستويات انخفاض الدخل والقدرة الشرائية، وتراكم الديون، واتساع نطاق الخلافات الأسرية، والعنف الأسري، والطلاق.
وعلاوة على ذلك فَقَدَتْ أُسَرٌ كثيرة بعض أبنائها بسبب الجائحة؛ الأمر الذي ولَّدَ الحزن وألَم الفقْد إلى جانب تلك الضغوطات والتوترات، كما فرضت الجائحة على الأسرة قيوداً فيما يتعلق بمراسيم الزواج، والاجتماعات العائلية، والجوانب الترويحية، وطقوس العبادة.
إن هذا الظرف الشمولي الذي أحاط بالأسرة من كل الجوانب حرّض استنفار الدول والمؤسسات الدولية المعنية بالأسرة والعمل والمرأة والطفل من أجل الحفاظ على مستويات مرتفعة من التكامل والاستقرار الأسري، وحماية حقوق العاملين وأجورهم، وكذلك حماية المرأة والطفل من العنف الأسري، بالإضافة إلى الجهود المبذولة من أجل جعْل التعليم عن بعد امتداداً سلساً للتعليم الوجاهي.
كما أشارت الكلية في محاور المؤتمر وأهدافه إلى انعكاسات وتأثيرات الجائحة على الخبرات والتجارب التعليمية في جميع مراحل التعليم بدءًا من مؤسسات الطفولة المبكرة ومروراً بالمدرسة وانتهاءً بالجامعة.
وشكَّل التعليم والتعلُّم عن بعد تجربة جديدة للمؤسسات الإدارية التعليمية، والمدرسين والطلبة بما رافقها من توترات نفسية، معرفية وعلمية لجميع الفاعلين في العملية التعليمية.
كما كان للجائحة تأثيرات واضحة على الحياة الكريمة للفرد، والأسرة، والمجتمع والعالم بسبب فقدان أعداد كبيرة من الناس لأعمالهم وقوت يومهم.
وشكلت هذه الجائحة تحدياً كبيراً أمام الدول لمواجهة مشكلة البطالة، والنمو الاقتصادي، والسياحة ومعالجة النتائج المترتبة عليهما بهدف تحقيق استدامة برامج التنمية لتلبية حاجات الإنسان الأساسية.
وبناء على كل ذلك، يأتي هذا المؤتمر المزمع عقده في شهر مارس القادم ليلقي الضوء على الخبرات المعيشة للمؤسسات الأسرية، والتعليمية والعمل والتنمية المستدامة والتحديات التي واجهتها والآليات التي اتبعتها الأسرة للتغلب على تلك التحديات، وكذلك الدروس المستفادة من حيث التخطيط المستقبلي والاستراتيجيات التي تعمل على تعزيز التماسك الأسري والتعليم والتعلم عن بعد والتنمية المستدامة في مواجهة الظروف الاستثنائية والأزمات.
ولعل المحاور العلمية المتنوعة تجيب عن كل الأسئلة المعلقة في ديناميات الحياة الاجتماعية في زمن جائحة كورونا وما بعدها، وهي محاور معدة بإتقان ومعرفة لكل ديناميات الحياة الأسرية في سياق جائحة كورونا سواء على مستوى التعليم والتعلُّم عن بعد في العلوم الإنسانية والاجتماعية، أو في إطار التنمية المستدامة في سياق جائحة كورونا.
وبعد، مطلوب من الجميع أن يستمروا في ردم آثار هذه الجائحة المستمرة بوتيرة واضحة في كل أنحاء العالم؛ غير أنّ ما يسجل لدولة الإمارات العربية المتحدة اهتمامها المبكر في التعامل العلمي والعملي والصحي والاقتصادي مع آثارها، مما خفف على الناس من نتائجها، وبالتالي تعمل أجهزة الدولة المختلفة الصحية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية في تكاملية واضحة لمعالجة ركام هذا الوباء ونتائجه السلبية، وما هذا المؤتمر إلا ثمرة التفكير المشترك بين جامعة الشارقة ممثلة بكلية الآداب والمؤسسات الوطنية الإماراتية.
وفي الختام نرجو الله أن يرفع هذه الجائحة عن البشرية كافة، ولهذا المؤتمر النجاح والفلاح وأن يكسر نمطية التفكير السلبي الذي بدأ يرسم خطوطه في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، وأن يحقق أهدافه المرجوة، وإن كان من تحية فهي للقائمين على فكرة هذا المؤتمر في كلية الآداب وجامعة الشارقة.