جار التحميل...

°C,

في محراب التعبد لله

ليس الذكر في الإسلام مجرد كلمات ينطق بها اللسان في غفلة من القلب والعقل، بل إنه صورة تربط فيها منافذ المعرفة الإنسانية برباط واحد تتحقق من خلاله الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها، وهي غاية العبودية لله تعالى.
ومن تلك الأذكار، الذكر الذي معنا اليوم وهو ما جاء عن البراء بن عازب ــ رضي الله عنه ــ  قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به، قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: «لا، ونبيك الذي أرسلت) (أخرجه البخاري).

ومن دروس هذا الهدي النبوي ما يلي:

(1)الحاجة الإنسانية لتأكيد معنى التعبد

يكشف هذا النور النبوي عن الحاجة الانسانية لتأكيد معنى التعبد لله في ختام اليوم المليء بأحداث الحياة بدلاً من أن يظل هذا الذهن منهمكاً في التفكر فيها تفكراً يمنع انطلاقته في صباح غده، أو يقلل من حركتها إذا ما قُدِّر لها الانطلاق.

إن الإسلام أراد من خلال هذا الهدي النبوي أن يطوي الإنسان صفحة اليوم بكل ما فيها، لكن هذا الانطواء يُختم عليه بخاتم التعبد لله.

إن الإسلام يريد أن يربط الإنسان في هذه الأجزاء الزمنية بالحقائق المطلقة المتجاوزة لأبعاد الزمن المستعلية عليها ليحقق الإنسان بالطبع حالة الاستعلاء الرشيد عليها.

وليس الإنسان في حاجة إلى هذا التأكيد في نهاية يومه فحسب، بل كذلك في ابتدائه؛ لذا جاء عن حذيفة بن اليمان ــ رضي الله عنه ــ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه، قال: «باسمك أموت وأحيا»، وإذا قام قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" (أخرجه البخاري)، إننا نرى هداية للإنسان لحظة البدء في يومه ولحظة الانتهاء.

(2)أشجار كثيرة في بستان العبودية لله

مع أن التعبد لله هو العنوان الأعم والمظلة الكبرى إلا أن الهدي النبوي يحثنا على تنويع التأكيد عليه (أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك..).

إن هذا التنويع يضفي تأكيداً على النفس حيث تتردد بين هذه الصور آخذة بكل معنى من معانيها لتشكل حالة التعبد الكبرى.

(3) الربط بين الغاية والوسيلة

تتقاسم الغاية والوسيلة الحالة الإنسانية، فالإنسان ما بين غاية يتغياها ووسيلة يسلكها لتحقيق ما يتغيا، ويربط هذا الحديث هاتين الحالتين برباط التعبد، فالغاية تتمثل في (وجهت وجهي)، والوسيلة تتمثل في (وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك)، وحين تنسبك كل من الغاية والوسيلة في مسلك التعبد لله يثمر الإيمان.

(4)فلينطق اللسان بمعاني الإيمان

يشير هذا الحديث إلى دور اللسان في الإعلان عن معاني العبودية لله تعالى، وهذا الإعلان المتوالي عن العبودية هو الذي يزكي اللسان، فيحول بينه وبين سفه القول، بل بيّن النور النبوي أن للحالة التي تحيط بنطق اللسان مدخلاً عظيماً في ترسيخ المعاني؛ لذا نرى في هذا الحديث تجهيزا لهذه الحالة (إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم...).

وأخيراً...حتى تَحْسُن الخاتمة


بالرغم من أن الهدي النبوي يفتح أمام الإنسان آفاق الحياة، ويدفعه للسير في أرجائها، إلا أنه في الوقت ذاته يذِّكره بحقيقة لا ريب فيها، وهي حقيقة الموت، ويجهزه لاستقبالها حين يأتي الأجل المقدر، لذا نراه صلى الله عليه وسلم يقول: (فإن مِتَّ من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به).

لقد ربطنا هذا الهدي النبوي بحقيقة التعبد لله تعالى، وبين لنا الكثير من ثمارها، وأرانا كيف يرتبط اللسان الناطق بالقلب النابض.

May 06, 2021 / 12:08 PM

مواضيع ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.