في المجتمعات الحديثة، لم يعد مفهوم جودة الحياة يُقاس فقط بوفرة الموارد أو بكفاءة الخدمات، فالموارد الوفيرة والخدمات الجيدة قد تعمل على تحسين شروط العيش، لكنها لا تضمن وحدها ازدهار الإنسان، وقد تحقق البعد المادي لجودة الحياة، لكنها تستثني الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والثقافية، التي تجعل من الجودة، عملية ارتقاء جماعي، تجمع بين استثمار الموارد من ناحية، وإعادة تعريف معنى الانتماء والمواطنة والشراكة من ناحية أخرى.
وتتزايد أهمية الحديث عن الأبعاد غير المادية لجودة الحياة في ظل الضغوط التي تصنعها أنماط الحياة الحديثة، فتجد الناس في مجتمعات توفر لهم الخدمات ومستويات جيدة من المعيشة، يعانون من أعراض متكررة ومنتشرة مثل الضغوط النفسية والأرق وعدم الانسجام الاجتماعي ومن أمراض مزمنة تمس أحد أعمدة الجودة وهي السلامة البدنية والعقلية.
إن ما يحوّل الموارد إلى عناصر حيوية في بناء المجتمعات وتعزيز قيمتها الحضارية هو الحوار والتواصل، أي القدرة على إشراك الأفراد في صياغة السياسات وفهم غاياتها والمشاركة في تنفيذها، وعلى توجيه الناس نحو الارتقاء الذاتي بأشكال ومعاني الحياة التي يعيشونها أفراداً أو جماعات، وهنا يأتي دور عاملين حاسمين لتحقيق هذه الغاية وهما الاتصال الحكومي والعلاقات الحكومية، حيث يتكامل هذين العاملين ليمنحا التنمية أبعادها التي تجعل منها تنمية شاملة ومستدامة.
إن دور الاتصال الحكومي في تعزيز جودة الحياة يبدأ ببناء شبكات الحوار بين المجتمع ومؤسساته الرسمية، هذه الشبكات تستثمر في تبادل الآراء بين المستويات المختلفة، لتُنتج أنماطاً جديدة من الشراكة والتفاعل وتقاسم المسؤوليات. وبهذا يتحول الاتصال إلى أداة لتوسيع دائرة الفعل الاجتماعي، حيث يصبح المواطن جزءاً من صناعة التصور حول آليات تحقيق جودة الحياة ومسارات تطورها.
في المقابل، توفر العلاقات الحكومية الإطار المؤسسي الذي يسمح لهذا الحوار أن يترسخ ويثمر، فهي التي تفتح قنوات التعاون بين المؤسسات المختلفة، وتبني جسور الثقة مع الشركاء المحليين والدوليين، وتتيح تبادل الخبرات والمعارف، وتفتح نوافذ واسعة للتعرف على أفضل التجارب العالمية في مجال جودة الحياة، ومن ثم تعيد تكييفها لتتوافق مع حاجات وخصوصيات المجتمع المحلي، وتصبح أكثر انسجاماً مع ثقافته وتراثه وتطلعاته.
وفي النهاية، فإن المهمة التي تؤديها دائرة العلاقات الحكومية والاتصال الحكومي، هي مسار دائم يعيد تشكيل العقد الاجتماعي كل يوم، مسار يضمن أن تتحول الموارد إلى قيمة، والسياسات إلى تجربة معاشه، والغايات إلى مستقبل مشترك.