في عالمنا اليوم نحتاج إلى قادة ومديرين يجمعون بين الحزم والرحمة، وبين تطبيق اللوائح والقوانين وروح الإنسانية، فالمدير الناجح هو من يلتزم بالقانون ويحرص على تطبيقه بعدالة على الجميع، لكنه في الوقت نفسه يدرك أن بعض المواقف تحتاج إلى مرونة وأن روح القانون أحيانًا أبلغ من نصه.
إن عدالة النظام وإنسانية القيادة هما جناحا الإدارة الناجحة، فالنظام العادل هو الذي يُطبّق على الجميع دون استثناء، ويضمن حقوق الأفراد، كما يحفظ هيبة المؤسسة، لكنه لا يكون كاملاً ما لم يُدعّم بلمسة إنسانية من القائد الذي بيده الصلاحيات، تُراعي الظروف وتُوازن بين ما يجب فعله وما ينبغي تفهّمه، حيث أن المدير القادر على دمج هذين البُعدين هو من يَسِير بمؤسسته بثبات، ويُكسبها احترامًا داخليًا وخارجيًا، إنه لا يُفرّط في النظام، ولا يتخلّى عن الرحمة، بل يجعل من العدالة مبدأ، ومن الإنسانية أسلوبًا.
إنّ من أبرز مقومات جودة الأداء المؤسسي هو حسن التعامل مع المراجعين وتيسير إنجاز معاملاتهم بكفاءة وسرعة، دون الإخلال بالأنظمة والتعليمات المعتمدة، فالمراجع أياً كانت صفته هو محور الخدمة، والتعامل الإيجابي معه يعكس رقي المؤسسة ومستوى احترافيتها.
ولقد أصبح من الضروري ترسيخ ثقافة "التيسير ضمن الإطار النظامي"، بحيث يتمكن الموظف من تقديم الخدمة بأعلى درجات المرونة، دون الوقوع في مخالفة صريحة أو تجاوز غير مبرر، فالنظام لم يُشرّع ليكون عائقاً أو وسيلة لتعطيل المعاملات، وإنما لضبط الإجراءات وضمان العدالة والشفافية.
وحول هذا المحور الهام أهاب صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم امارة الشارقة، بموظفي حكومة الشارقة بالتسهيل في إنجاز معاملات المراجعين وتوجيههم بتحويل المعاملات المستعصي حلها إلى المدير ليحلها، أو ليرفعها إلى سموه لحلها.
إن التعامل بروح النظام يعني فهم مقاصده والتمييز بين ما هو نص إلزامي لا يجوز تجاوزه، وما هو إجراء تنظيمي قابل للتكييف وفق الموقف والحاجة، وهنا يظهر دور المدير الواعي الذي بيده هذه الصلاحيات والقادر على تحقيق التوازن بين تسهيل الإجراء وحماية الإجراء.
كما أن حسن الاستقبال، واللباقة في الرد، والتعامل الإنساني، كلها ممارسات تعزز من ثقة المراجع وتُسهم في تخفيف الضغط عن بيئة العمل، وتساعد على حل الإشكالات دون تصعيد أو تأخير.
وهناك مواقف إنسانية تمر على أي مسؤول، تستدعي التقدير والاحتواء والتصرف بحكمة وحنكة في معاملات المراجعين، كونه مسؤولاً كُلف بأمانة وهو ثقة لهذه الأمانة.
وكذلك هناك مواقف لا تقبل التهاون، وتحتاج إلى حزم وتطبيق صارم للنظام، خاصة إذا تعلق الأمر بمصلحة عامة أو مخالفة جسيمة، هنا يظهر جانب القوة والانضباط لدى المدير، الذي يحمي المؤسسة من الفوضى ويصون الحقوق.
إن هذا التوازن بين الحزم والرحمة هو ما يُكسب المدير احترام الجميع، فالموظفون والمراجعون يشعرون بالأمان تحت قيادته، ويثقون أن حقوقهم لن تُهدر، وأن ظروفهم لن تُهمَل، فيرَون فيه نموذجًا للمسؤول المتفهم، الذي يطبّق القانون دون أن يغفل عن الإنسان الذي أمامه.
وفي النهاية، فالمدير الحقيقي ليس من يُرهب من حوله، بل من يُلهمهم، ويقودهم بالعدل ويترك أثرًا طيبًا في كل موقف يمر به.