يعيش العالم اليوم طفرة غير مسبوقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تتسابق الحكومات والمؤسسات إلى توظيفها في شتى مجالات الحياة، من الصحة والتعليم إلى الإعلام والاقتصاد، غير أن هذا التسارع الهائل يثير سؤالًا جوهريًا: هل نحن أمام تقنية تمنح الإنسان حياة أفضل، أم أمام موجة قد تزيد الفجوات وتعمّق التحديات إذا لم تُوجَّه بقيم إنسانية واضحة؟.
جودة الحياة لا تتحقق بمجرد توفر الأدوات التقنية، بل حين تُسخّر هذه الأدوات في خدمة حاجات الناس وصون كرامتهم وتعزيز فرصهم، وهنا يبرز دور الاتصال الحكومي، بوصفه البوصلة التي توجه الخطاب العام وتؤطر السياسات، فالرسائل التي تصوغها الحكومات حول الذكاء الاصطناعي ليست مسألة تقنية فقط، بل هي تعبير عن رؤية قيمية تحدد شكل العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. إن الانبهار بمزايا الذكاء الاصطناعي قد يغري بالاعتماد الأعمى عليه، لكنه في المقابل قد يقود إلى اختزال الإنسان في بيانات وأرقام، وإلى تجاهل الفوارق الإنسانية التي تعجز الآلة عن قياسها، لذلك فإن مهمة الاتصال الحكومي اليوم هي إعادة التوازن بين الآلة القنية والعقول البشرية وتذكير المجتمعات بأن التكنولوجيا مهما بلغت تبقى وسيلة وأن الغاية النهائية هي بناء حياة كريمة يشعر فيها الفرد بالأمان والعدالة والقدرة على الإبداع. وتظهر التجارب أن الذكاء الاصطناعي قادر على أن يكون قوة للخير إذا ارتبط بقيم واضحة، ففي الصحة، يمكنه التنبؤ بالأمراض وتسريع التشخيص، لكنه يحتاج إلى منظومة أخلاقية تصون خصوصية المريض، وفي التعليم، يستطيع أن يفتح آفاقًا جديدة للتعلّم الشخصي، لكنه يتطلب معلمًا حاضرًا يوجّه ويزرع القيم، وفي الإعلام، يسهّل الوصول إلى المعلومة، لكنه يتطلب وعياً نقدياً يواجه التضليل ويحمي المجتمعات من الانقسام.
إن الذكاء الاصطناعي بات اليوم من الركائز الأساسية في مسار جودة الحياة وعليه فإن تناوله لا يقتصر على كونه أدوات مساندة بل محاور أساسية ضمن أجندة الدورة الحالية من "المنتدى الدولي للاتصال الحكومي" بما يعكس دوره في تعزيز فرص الإنسان وصون كرامته وبناء مستقبل أكثر استدامة.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي لن يحدد شكل حياتنا المقبلة وحده، وإنما ما يحددها هو الكيفية التي سنختار بها توظيفه، والرؤية التي سنعتمدها لتوجيهه، فإذا جعلنا منه أداة للتقريب بين البشر، وتعزيز العدالة، وتمكين المجتمعات، فإنه سيكون قوة لإثراء جودة الحياة. من هنا، فإن واحدة من أبرز رسائلنا في المنتدى الدولي للاتصال الحكومي هذا العام، هي: جودة الحياة تُصنع حين يصبح الذكاء الاصطناعي وسيلة للارتقاء بالإنسان، لا لتجاوزه، وللتقريب بين البشر، لا لزيادة الفجوات بينهم.