جار التحميل...
إن الطفل لا يُختزل في درجاته المدرسية، بل هو كائن يبحث عن التجربة، ويتعطش للّعب، ويتعلم من الحركة أكثر من الحفظ، فعندما يشارك في نشاط موسيقي، أو مسرح مدرسي، أو ورشة رسم، أو مخيم صيفي، فإنه لا يضيع الوقت"، بل يبني شخصيته، ويعزز ثقته بنفسه، ويكتشف إمكانات ربما تظل نائمة إلى الأبد داخل الصفوف المغلقة.
إن الأنشطة اللاصفية تنمي الجانب العاطفي والاجتماعي للطفل، وتعلمه كيف يعمل ضمن فريق، وكيف يحترم الآخر المختلف، وكيف يتقبل الخسارة، ويحتفل بالفوز دون غرور، حيث أنها تمنح له المساحة التي يتعلم فيها القيم لا بالوعظ، بل بالممارسة، فتخيلوا حجم الفجوة التربوية حين نُخرّج أجيالاً تحفظ المعلومات لكنها لا تعرف كيف تعبر عن مشاعرها، ولا تُحسن إدارة وقتها، ولا تفهم ذاتها.
في هذا السياق، لا يمكن الحديث عن مراكز الطفل دون الإشارة إلى الرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، اللذَين آمنَا منذ أكثر من 4 عقود بأهمية الاستثمار في الطفولة من خلال تأسيس مراكز الطفل، التي بدأت رسالتها في الشارقة منذ أوائل الثمانينات، قدّمت الإمارة نموذجًا حضاريًا يحتذى به في دعم الطفولة ليس فقط بالتعليم، بل بتنمية متكاملة: ثقافية، وفنية، ورياضية، وإنسانية
فتلك الرؤية الثاقبة أسّست لجيل من الأطفال الواعي، والمبدع، والقادر على التعبير عن نفسه، والمتوازن نفسيًا والمُسلّح بالقيم والمهارات الحياتية.
ما زال بعض أولياء الأمور يرون في هذه المراكز مضيعة للوقت، أو مكانًا لقتل الفراغ"، لكن الفراغ الحقيقي ليس في الوقت، بل في التربية التي لا تمنح الطفل فرصته لينمو بحرية، وحين نختزل الطفولة في الامتحانات والدرجات، نكون قد أعددنا أطفالًا للنجاح الورقي، لا للحياة.
في ظل انشغال الأهل، وضغوط العمل، ومحدودية البدائل، تتحول الشاشات ووسائل التواصل إلى المربي الخفي للأطفال، وهنا تلعب مراكز الطفل دور "المخرج الآمن"، حيث يجد الطفل بيئة آمنة، وحيوية، وموجهة تبني لا تهدم.
إذا أردنا أن نبني مجتمعًا متماسكًا، ومبدعًا، وناضجًا نفسيًا، فلا بد أن نعيد الاعتبار للأنشطة غير الصفية، وأن نستثمر في مراكز الطفولة كاستثمار في الأمن النفسي والمعرفي للأجيال القادمة.
إن أطفالنا يستحقون أكثر من مجرد مقعد في فصل، بل إنهم يحتاجون إلى مسرح، وملعب، ولوحة، وأغنية، وقائد يراهم لا كمجرد طلاب، بل كأرواح تنبض وتنتظر من يحررها من الجدران.