جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

بيت من فكرة ومأوى من رحمة

08 مايو 2025 / 11:00 AM
 بيتٌ من فكرة ومأوى من رحمة
download-img
عندما كنا في مقاعد الدراسة خلال المراحل التأسيسية وبالتحديد في مادة التربية الفنية معظمنا رسم (لوحة الطيبيين) مكونة من شجرة وفوقها عصفور وبجانبها بيتٌ خشبيٌ بسيط وشمسٌ تسطعُ بأشعَّتها من زاوية الورقة، ومساحة خضراء، وجبال راسيات وأنهار تجري وبجانبها أزهار جميلة تبعث في النفس الراحة والسكينة.
لقد كان استذكاري لتلك الفترة؛ كي أسرد لكم اليوم مقالاً أشبه بالسرد القصصي لشخصية " صنعت بيتاً من فكرة ومأوىً من رحمة"، نحتاجها اليوم، ففي أحد الأحياء الهادئة، جلسَ الطفل خالد قرب نافذةِ بيتهم المتواضع، يرسم بيتاً غريب الشكل، له نوافذ واسعة على شكل قلوب، وسقفٌ تغطيه أشجار خضراء، وداخلَه مكان خاص للقراءة، وآخر للضحك والسمر، ضحكت أمه عندما رأت تلك الرسومات، وقالت: "ما هذا البيت العجيب يا خالد؟ فأجاب ببراءة الأطفال: "هذا بيت المودة، كل ركن فيه يجعل من يعيشون فيه يحبون بعضهم أكثر.

ولم تكن كلمات خالد مجرد خيال طفل، بل كانت نواة لفكرة عظيمة، فقد كبر خالد، وأصبح مهندساً معمارياً، لكنه لم ينسَ أبداً بيته الذي رسمه، وفي أحد الأيام، طُلب منه تصميمٌ لمجمَّعٍ سكني جديد، جلس يفكر، لكنه لم يبدأ بالخرسانة والحديد، بل بدأ بقلبه، سأل نفسه: "ما الذي يجعل المسكن مكاناً نعيش فيه بسعادة؟ كيف نُبدع بيتاً؟، لا فقط نبنيه؟"

وانطلقت أفكاره من أسس بسيطة لكنها عميقة، فقد جعل الطبيعة شَريكَهُ في البناء: فاستخدم الضوء الطبيعي، والتهوية الجيدة، والنباتات الداخلية التي تبعث على الراحة والسكينة، وأما الرحابة في التصميم كانت لا تعني المساحة فقط، بل شعور الانفتاح، فصمّم المساحات بطريقة تُقرّب أفراد الأسرة من بعضهم، من خلال غرف معيشة مفتوحة وأماكن متعددة للتجمع العائلي، أما الألوان فأكسبها خالد لغة المشاعر: فاختار ألواناً دافئة تبعث الطمأنينة وتقلل من التوتر.

وأما ركن الرحمة فكان تصميماً خيالياً، فقد خصص خالد لكل منزل زاوية للصلاة أو التأمل أو القراءة، لتكون ملاذاً للسكينة والراحة القلبية.

ولم يغفل خالد التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق، فصمم مقعداً خشبياً أمام الباب لجلوس الجيران، وتبادل الحديث، ونافذة تطل على حديقة مشتركة، وجداراً
 مخصصاً لرسومات الأطفال.

وكان خالد يقول دائماً: "لا تُقاس عظمة البيت بما فيه من أثاث، بل بما فيه من حب"، وقد أدرك أن المسكن لا يُبنى فقط بالحجارة، بل يُبنى بالنية الطيبة، والتصميم الذي يخدم الإنسان لا العكس.

وأنهى خالد التصاميم وسكن الناس، وفي أحد الأيام، كتبت طفلة صغيرة رسالة، وجعلتها فوق منضدة سيارته ليراها، قالت فيها: "شكراً مهندسنا الغالي، لأنك صمّمت بيتاً يجعلني أحب البقاء فيه، وأحب والدايَ وإخوتي أكثر".

وحين قرأها خالد، دمعت عيناه، لأنه لم يكن بحاجة إلى جوائز هندسية، فقد نال أعظم جائزة وهي: أن يكون سبباً في أن يشعر أحدهم بأن له مأوى من حُبّ، لا فقط من حجر، فليس صعباً الوصول إلى أفكار إبداعية لبناء المساكن، ولكن حين يمتزج الحب في التصميم فيحتاج إلى زاوية دفئ، وإلى ضوءٍ يلامس روحه، ومكان يُنبت فيه حنانه، وإلى مسكن تُبنى فيه المودة لبنة لبنة.

فلنحلم، ونرسم، ونصمّم، لكن دائمًا بقلبٍ يسبق القلم، وبنية تزرع الرحمة قبل الطابوق.

عزيز القارئ، إذا أردنا أن نصل إلى أفكار إبداعية لبناء مساكننا، فلنبدأ من داخلنا، من حاجتنا للحب، للسكينة، للترابط، وعندها، سيكون بيتنا أكثر من مكان نعيش فيه، سيكون قلباً نابضاً بالرحمة والمودة، محققين قوله تعالى: (واللهُ جَعَلَ لَكُمْ من بُيُوتِكُمْ سَكَناً) (النحل: 80).
May 08, 2025 / 11:00 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.