جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

حاجتنا للسنة النبوية (2)

حاجتنا للسنة النبوية (2)
download-img
من المتقرر عند المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم ما من خيرٍ إلا دل أمته عليه، ولا شرٍ إلا حذرها منه، وهذا شاملٌ للدين والدنيا. وقد تعرفنا في مقالٍ سابقٍ على شيءٍ من ضرورة السنة النبوية للدين، وسأورد هنا إلماعةً عن ضرورتها للدنيا.
إن ضرورة السنة النبوية للدنيا تتجلى فيما حوته من تشريعات وآداب تصب في خير الفرد وصلاح المجتمع، فالعديد من السلوكيات الإيجابية المنتشرة بين المسلمين مستقاة من معين السنة النبوية، والمتأمل في حال البشر يجد أنه لولا البيان النبوي الأسبق للمسلمين لتلكم السلوكيات لاستووا مع غيرهم من الأمم في التعرف الحديث عليها، وفي جعلها مبادئ للتحضر والرقي.

فثمة أحاديث لبناء الشخصية المتزنة للفرد، على رأسها ذاك الحديث الحافل بمعانيه: "الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"، ففيه دعوةٌ لكل مسلم لاستجماع أسباب القوة: قوة الدين، وقوة البدن، وقوة العلم، وقوة العمل، مبينًا الوسائل التي تعين في تحقيق تلك الغاية العظيمة، وقوامها ثلاثة أمور: الحرص على ما ينفع دينًا ودنيا، والاستعانة بالله تعالى، وعدم العجز والاستسلام لأي طارئ.

ولو نظرنا في أحاديث الطهارة والنظافة، بدءًا من سنن الفطرة، ومرورًا بالوضوء والغُسل، ناهيك عن الحث على السواك، والتطيب، وبيان أن الروائح الكريهة مؤذية حتى للملائكة، لوجدنا المسلم حريصاً على نظافة بدنه وطيب رائحته، وأينما يممت بوجهك في ديار الإسلام وجدت في الأعم الغالب مصداق ذلك مهما كانت الإمكانيات المادية ضعيفةً فيه.

وإذا ما يممنا قِبَل الأحاديث المتعلقة بالعلاقات الإنسانية فنحن أمام وفرة من الأحاديث القولية والفعلية التي تعين على بناء مجتمعات متماسكة قائمة على التراحم والتعاطف مهما تنوعت أديان أفرادها، وتعددت أعراقهم، وكم شاهدنا شخصًا دخل في الإسلام بسبب سلوكٍ عفويٍّ من مسلمٍ تشرَّب أخلاق الإسلام من نبع السنة النبوية الصافي. وبيّن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أصول الآداب، كما في هذه الأحاديث الأربعة: "مَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ"، " ومِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"، و"لا تَغْضَبْ"، و"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتى يُحِبَّ لَأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لَنَفْسِهِ"، أليست هذه الأحاديث تغني عن كثيرٍ من الدورات إذا ما تمثلناها واقعًا عمليًا في حياتنا؟!

وأخيرًا وليس آخرًا -حقيقةً لا مجازًا- فيما يتعلق بالجانب الصحي، فالأحاديث الواردة فيه أشهر من أن تُذكر، لكن أشير إلى الأحاديث التي تتجاوز الجانب الجسدي في الإنسان لتعالج البعد النفسي فيه، فمعلومٌ أن الدنيا لا تكاد تصفو للمرء في كل أحواله، بل لابد فيها من المنغصات والمكدرات التي تُدخل الهم والغم إلى القلوب، ولذا كانت العناية النبوية بذلك البعد النفسي من خلال ربط المسلم بعقيدة القضاء والقدر: "واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك"، وهذا مدعاةٌ إلى الراحة النفسية، وعدم القلق والجزع مهما عظمت المصيبة؛ إذ كل شيءٍ مكتوبٌ ومقدرٌ، بل حتى مجرد التحسر على الفائت لا يرضاه النبي صلى الله عليه وسلم لأتباعه، لما يعود عليهم من ضرر على صحتهم النفسية، فقال: "ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". وتلكم الأمثلة تنبئ عما وراءها، وتدل عليه.

صلى عليك الله يا علم الهدى              واستبشرتْ بقدومك الأيامُ
هتفتْ لك الأرواح من أشواقه             وازيــــــــنتْ بحـــــــــــــــديثك الأقلامُ
March 27, 2025 / 11:11 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.