جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

الأخوة الإسلامية

صورة بعنوان: الأخوة الإسلامية
download-img
إن من جمال شريعتنا الغراء، ومحاسنها الجمة اهتمامَها ببناء الروابط، وتأسيس العلاقات، ومن بين تلكم الروابط رابطة (الأخوة الإسلامية)، تلك الرابطة التي تعد من نعم الله تعالى حيث قال جل في علاه في معرض امتنانه على المسلمين: (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)، حقًا إنها لنعمة عظيمة، أن يكون كل مسلمٍ وكل مسلمةٍ أخًا وأختًا لك.
ولا يخفى على أحدٍ منا أن (الأخوة الإسلامية) تعد من المقامات العظيمة، والعبادات الجليلة في هذا الدين الحنيف، كيف لا، وقد تكاثرت النصوص الشرعية ببيان أهميتها والحث عليها، قال تعالى مقررًا إياها: (إنما المؤمنون إخوة)، والتعبير بالأسلوب الخبري في الآية يوحي بأن الأخوة أمرٌ متقرر ومفروغ منه بين المؤمنين، واختتام الآية بـ (لعلكم ترحمون) فيه إشارة لطيفة إلى أن من "شأن تعامل الإخوة الرحمة فيكون الجزاء عليها من جنسها". التحرير والتنوير 26/245.

إن الأخوة الإسلامية لمت المعاني الحاضرة بشكلٍ مكثفٍ في الحديث النبوي؛ إشارةً منه صلى الله عليه وسلم إلى أهميتها، وضرورة استحضار المسلمين لها لتقوية أواصر المحبة، ووشائج الرحمة بينهم، فما من حثٍّ على خلقٍ بين المسلمين، أو نهي عنه إلا ونجد بين ثنايا ذلك الحث أو النهي ورود لفظة (أخ): (المسلم أخو المسلم)، (حتى يحب لأخيه)، (إذا أحب أحدُكم أخاه فليعلمه)، (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، (لينوا بأيدي إخوانكم)، (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، (لا يبع الرجل على بيع أخيه)، (فمن قضيت له بحق أخيه شيئًا) إلى آخره.

وثمة أحاديث نبوية جامعة أسست لمقومات الأخوة الإسلامية، بعضها أبان عن عوامل تقويتها وتنميتها، كما أماط البعض الآخر اللثام عن العوامل التي تتسبب في قطع أواصرها، وهدم أركانها، وأكتفي بإيراد حديثٍ يدل على ما وراءه، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.

عن أبي هريرة "رضي الله عنه" قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» مسلم (2564). 

يا لله! ما أجل هذا الحديث! وأعمق دلالاته! كلما قرأته تفكرت مليًّا كيف سيكون واقعُنا إذا حاول كل فردٍ منا تطبيقه؟ عند تأمل هذا الحديث نجد ثلاث جملٍ تضمنت نهيًا عن صفات ذميمة، تخللتها جمل ثلاث تلمح إلى علة النهي، وهي العبودية والأخوة والتقوى، فلأنك عبدٌ لله تعالى وجب عليك تحقيق التقوى.

ومن مستلزمات التقوى صفاء القلب تجاه أخيك فتكف أذاك عنه، ويمكن أن نصيغ متتالية إيمانية أخلاقية بامتياز: فاستشعار العبودية لله تعالى يحتم علينا تلمس طريق مرضاته، والتقوى هي الموصلة لتلك الغاية العلية، فهي داعيةٌ إلى كل خير، مانعةٌ عن كل شر، وإذا تمكنت التقوى من القلب انقاد وسُهل عليه تحقيق عبودية الأخوة فيجتنب تلك الصفات الذميمة المؤثرة سلبًا على روابط المجتمع المسلم، وبالتالي تضمحل كثير من المشاكل الاجتماعية التي نعانيها في أوساطنا اليومية، وربما تتلاشى.

ومن نافلة القول بيان أن اجتناب تلك الصفات الذميمة هي من صميم خُلق المسلم، فلا يختص ذلك في علاقته مع المسلم، بل يشمل غير المسلم أيضًا كما دلت عليه النصوص الشرعية الأخرى، وكما يُلمح إليه حديثنا من خلال صيغ العموم الواردة فيه.

وأخيرًا: إن تساءلنا وقلنا: كيف يمكننا تحقيق تلك الأخوة الإسلامية والإنسانية؟ فالجواب: باستشعار معنى التعبد لله تعالى فيها، فعندما نبذل الخير ونكف الأذى فنحن في عبادة، وإن ضعف المرء عن بذل الخير فلا أقل من كف أذاه كما أخبرنا معلم الناس الخير "صلى الله عليه وسلم": «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ» صحيح مسلم (84).
January 18, 2024 / 11:19 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.