الزمن هو القوة الحاضرة التي تحكم حياتنا، كثيراً ما نعتبره أمراً مسلماً به، فنحن نخطط لأيامنا حوله، ونقيس وجودنا به، ونعتمد على تقدمه الثابت، ولكن عندما نتعمق في طبيعة الزمن، ينشأ سؤال مثير للاهتمام: هل الزمن وهم؟
لقد أذهلت هذه الفكرة الفلاسفة والعلماء والمفكرين لقرون من الزمان، مما دفع إلى نقاشات حول الطبيعة الحقيقية للزمن، وما إذا كان تصورنا له يعكس الواقع أم أنه مجرد تلميح من صنع العقل.
فعلى المستوى الأكثر أساسية، يبدو الزمن ثابتاً لا يتغير، ويتحرك إلى الأمام، ويخلق الماضي والحاضر والمستقبل، ومع ذلك، تشير النظريات المختلفة، العلمية والفلسفية، إلى أن الزمن قد لا يكون واضحاً كما نتصور، بل قد يكون بدلاً من ذلك بناء ذاتياً، يتشكل من خلال وعينا وخبرتنا، وليس خاصية أساسية للكون.
إن فكرة أن الزمن قد يكون وهماً ليست جديدة، وتجد دعماً لها في الفيزياء الحديثة، وخاصة من خلال نظرية النسبية، فلقد أثبت العمل الرائد لألبرت أينشتاين أن الزمن ليس ثابتًا مطلقًا بل هو شيء يمكن أن يتمدد وينكمش، اعتمادًا على سرعة المراقب وموقعه في الفضاء.
ووفقًا لأينشتاين، فإن المكان والزمان متشابكان في نسيج يُعرف باسم الزمكان، حيث يكون كلاهما نسبيًا ويمكن أن يتأثر بالجاذبية والسرعة، وهذا يعني أن الزمن لا يُختبر بشكل موحد في جميع أنحاء الكون، فعلى سبيل المثال، فإن رائد الفضاء الذي يسافر بسرعة تقترب من سرعة الضوء، سيتقدم في العمر بشكل أبطأ من شخص على الأرض، وهي الظاهرة المعروفة باسم تمدد الزمن.
وقلب هذا الاكتشاف النظرة الكلاسيكية للزمن باعتباره ساعة ثابتة عالمية، واقترح أن ما نختبره كزمن قد يكون مجرد منظور محلي، يعتمد على ظروف المراقب.
وفي الحالة المتطرفة للثقوب السوداء، يصبح مفهوم الزمن أكثر غرابة بالقرب من أفق الحدث للثقب الأسود، يتباطأ الوقت بشكل كبير بسبب الجاذبية الهائلة، وبالنسبة للمراقب الخارجي، يبدو الجسم الذي يسقط في ثقب أسود وكأنه متجمد عند الحافة، حيث يتوقف الوقت بشكل أساسي.
ولكن من منظور الجسم الساقط، يستمر الزمن بشكل طبيعي، ويشير هذا التناقض إلى احتمال أن إدراكنا للزمن، وتقدمه الخطي، قد لا يعكس الواقع الكامل لكيفية عمل الزمن في أجزاء مختلفة من الكون.
فإذا كانت نظرية النسبية لأينشتاين تتحدى فهمنا للزمن على نطاق واسع، فإن ميكانيكا الكم، التي تحكم سلوك الجسيمات دون الذرية، تطرح أسئلة أكثر إرباكًا.
وفي عالم الكم، لا تلتزم الجسيمات بخط زمني واحد، وبدلاً من ذلك، يمكن أن توجد في حالات متعددة في وقت واحد، ويمكن أن تحدث الأحداث في وقت واحد أو خارج التسلسل من منظور الزمن الكلاسيكي.
وأحد أكثر الجوانب المثيرة للاهتمام في ميكانيكا الكم هو مفهوم التشابك، حيث يصبح جسيمان مرتبطين، بحيث تتأثر حالة أحد الجسيمين بشكل فوري بحالة الجسيم الآخر، بغض النظر عن المسافة بينهما، ويبدو أن هذا الاتصال اللحظي ينتهك حد السرعة الذي حددته نظرية النسبية، حيث لا يمكن للمعلومات أن تنتقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء، مما يشكل تحديًا لفهمنا للزمن والسببية.
وبالإضافة إلى ذلك، تُظهِر تجربة الشق المزدوج الشهيرة أن مجرد فعل مراقبة الجسيمات يمكن أن يؤثر على سلوكها، مما يشير إلى أن الوقت والمراقبة متشابكان بعمق، وقد دفعت هذه النتائج بعض علماء الفيزياء إلى اقتراح أن الوقت، كما ندركه، قد لا يكون موجودًا على المستويات الأكثر جوهرية من الواقع، بدلاً من ذلك، يمكن أن يكون الوقت خيالًا مفيدًا - طريقة ملائمة لأدمغتنا لفهم واقع معقد ومترابط للغاية.
ومن الناحية الفلسفية، كانت طبيعة الوقت موضوعًا للنقاش لآلاف السنين، واعتقد الفلاسفة اليونانيون القدماء مثل بارمنيدس أن الوقت وهم، وأن الواقع ثابت وغير متغير، ووفقًا لهذه النظرة، فإن مرور الوقت مجرد خدعة من الحواس، حيث توجد جميع اللحظات في وقت واحد في واقع لا يخضع للزمن.
وفي المقابل، زعم فلاسفة آخرون، مثل أرسطو، أن الوقت هو مقياس التغيير وأنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحركة والسببية، فبالنسبة لأرسطو، كان الوقت جانبًا أساسيًا من الكون، يمثل تقدم الأحداث من الإمكانية إلى الفعل.
ولننتقل الآن إلى العصر الحديث، حيث اقترح فلاسفة مثل إيمانويل كانط أن الزمن هو من صنع العقل البشري، وكان كانط يعتقد أن الزمن والمكان هما شكلان من أشكال الإدراك، ضروريان لتنظيم تجاربنا، ولكنهما لا يعكسان بالضرورة الطبيعة الحقيقية للواقع.