في بداية القرن العشرين، قدم روديارد كيبلينج مجموعة من القصص الخيالية التي أصبحت ذات أهمية كبيرة، إذ أبدعت في تصوير أصول الأنماط الظاهرية للحيوانات، من بين هذه القصص الشهيرة نذكر "كيف حصل النمر على بقعه"، "بداية المدرع"، و"كيف حصل الجمل على سنامه"، وكُتبت هذه القصص لتسلية القراء، لكنها تحمل في طياتها إشارة إلى نظرية لامارك في التطور من خلال وراثة الخصائص المكتسبة.
ورغم أن كيبلينج كتب قصصه بنية التسلية، عادت جذورها العلمية إلى قرن مضى، حيث تتقاطع مع أفكار لامارك التي سعت لتقديم تفسير علمي لتطور الكائنات الحية، فعلى سبيل المثال، لاحظ لامارك أن أبناء الحدادين يميلون إلى امتلاك عضلات أكبر من أبناء النساجين، وفسر ذلك بأنه وراثة للنمط الظاهري المكتسب من الآباء، وفي ذلك الوقت، بدت هذه الفكرة منطقية، إذ كان يُعتقد أن الصفات المكتسبة خلال حياة الكائن يمكن أن تنتقل إلى الأجيال القادمة.
وبفهمنا الحالي، نعلم أن الجينات تشكل الأساس الرئيسي للصفات الوراثية، ومع ذلك، فإن البيئة والتفاعلات الخارجية يمكن أن تلعب دورًا في تطور الخصائص البيولوجية خلال الحياة، ومع ذلك، لا يتم نقل هذه التأثيرات المكتسبة مباشرةً إلى الأجيال القادمة.
وبدلاً من ذلك، يشير البحث الحديث إلى أن التغيرات الجينية العشوائية، المعروفة أيضًا بالطفرات، هي التي تُسهم في التنوع الظاهري بين الأفراد، ويحدد الانتقاء الطبيعي من يبقى على قيد الحياة وينتقل بالتالي لينجب أجيالًا جديدة بناءً على هذه الصفات المتغيرة.
ومن الضروري أن نفهم أن نظرية لامارك، على الرغم من أنها لم تعد مقبولة علميًا في معظم الحالات، إلا أنها كانت محاولة صادقة لفهم تطور الحياة، ورغم أن تشارلز داروين تفوق عليه بنظريته الشهيرة عن الانتقاء الطبيعي، إلا أن إسهامات لامارك لا تزال تستحق الاعتراف، حيث أن نظرية داروين تعتمد على فكرة التنوع العشوائي في الجينات، وتفترض أن الأفراد الذين يتمتعون بصفات تجعلهم أكثر قدرة على التكيف مع بيئتهم هم الذين ينجحون في البقاء والتكاثر، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تطور أنواع جديدة عبر الأجيال.
ورغم أن النموذج اللاماركي للخصائص المكتسبة لم يعد مقبولاً علمياً في الوقت الحالي، إلا إنه يمثل محاولة جادة لفهم عمليات تطور الكائنات الحية، وتشير البيانات الحديثة بوضوح إلى دعم نظرية داروين، حيث تظهر أن الطفرات العشوائية في الحمض النووي هي التي تخلق التباين الظاهري بين الأفراد، وأنها تؤدي، بمرور الزمن وتحت تأثير الانتقاء الطبيعي، إلى تطور الأنواع.
وفي الواقع، تتعارض الأدلة السائدة مع فكرة وراثة الخصائص المكتسبة حسب نظرية لامارك، لذلك، لا يوجد دافع للعلماء الحاليين للتركيز على هذه النظرية بشكل تجريبي، حيث تشير الأدلة بوضوح إلى أن الوراثة تتم من خلال الطفرات الجينية والانتقاء الطبيعي، إذا اختار العالم اليوم التحقيق في وراثة الخصائص المكتسبة، فسيكون عليه تجاهل مجموعة كبيرة من الأدلة الموجودة بالفعل، وهو نهج غير عقلاني في البحث العلمي.
وفي الختام، يجب الاعتراف بأن لامارك، على الرغم من أنه لم يكن على حق في كل تفاصيل نظريته، بدت جهوده جزءًا أساسيًا من تاريخ العلم، فقد مهّدت جهوده الطريق للأبحاث اللاحقة التي أدت إلى فهم أعمق لتطور الكائنات الحية، في حين قدم نموذج داروين للانتقاء الطبيعي، المدعوم بأبحاث مندل حول الوراثة والفهم الجزيئي للحمض النووي، إطارًا قويًا وفعالًا لفهم التنوع البيولوجي وتطور الأنواع عبر الأجيال.