جار التحميل...
قد يبدو هذا ضربًا من الخيال، لكنه قد يُصبح تهديدًا حقيقيًا، فنحن أمام أزمة صحية صامتة قد تُؤثّر علينا جميعًا ويُطلق عليه مقاومة المضادات الحيوية، وهي أحد أكبر التحديات الصحية العالمية في عصرنا.
تشبه المضادات الحيوية الأسلحةً التي تُحارب البكتيريا بأنواعها المختلفة المُسبّبة للالتهابات مثل التهاب الحلق، والالتهاب الرئوي، وحتى الالتهابات الشديدة المُهدّدة للحياة وغيرها.
بعد اكتشاف المضادات الحيوية في عشرينيات القرن الماضي (بفضل اكتشاف ألكسندر فليمنج العرضي للبنسلين)، غيّرت المضادات الحيوية العالم، فقبلها، كان حتى الجرح الصغير يُمكن أن يُصبح قاتلًا، وكانت العمليات الجراحية، والولادة، والالتهابات مُحفوفةً بالمخاطر للغاية، لكن معجزة المضادات الحيوية تأتي مع تحذير: إذا أفرطنا في استخدامها أو أسأنا استخدامها، فإنها تتوقف عن العمل.
البكتيريا كائنات حية، ومثل جميع الكائنات الحية، تتكيف للبقاء على قيد الحياة، وعند الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، يمكن لبعض البكتيريا أن تتحور وتتعلم كيفية المقاومة، وتصبح "البكتيريا الخارقة" مقاومة للدواء، وبمجرد حدوث ذلك، لا تعود المضادات الحيوية التي كانت فعالة في السابق قادرة على قتل البكتيريا، ويمكن أن تنتشر العدوى، ويصبح علاجها أصعب، أو حتى تصبح قاتلة.
والجدير بالذكر أن جسمك ليس هو من يصبح مقاومًا، بل البكتيريا هي التي تصبح مقاومة للعلاج.
تؤثر مقاومة المضادات الحيوية على كل بلد، وكل فئة عمرية، وكل نوع من أنظمة الرعاية الصحية، وهي تنمو بوتيرة أسرع من إمكانية تطوير مضادات حيوية جديدة، لذلك أصبح العالم بأسره قلقاً من هذه المشكلة لأسباب عديدة منها:
1. تزايد صعوبة علاج العدوى الشائعة، حتى الأمراض الروتينية، مثل التهابات المسالك البولية والتهابات الجلد والالتهاب الرئوي، أصبحت أكثر صعوبة، بل أحيانًا مستحيلة في العلاج.
2. ازدياد فترات الإقامة في المستشفى والمضاعفات والوفيات.
3. اعتماد الطب الحديث على المضادات الحيوية، فقد تتطلب العمليات الجراحية والعلاج الكيميائي للسرطان وزراعة الأعضاء جميعها المضادات الحيوية للوقاية من العدوى.
4. انتشار مقاومة المضادات الحيوية عبر الحدود إلى الكثير من الدول.
يعود تزايد المقاومة بشكل رئيسي إلى الإفراط في استخدام المضادات الحيوية وإساءة استخدامها لدى كل من البشر والحيوانات.
وتشمل الأسباب التي أدت إلى مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية ما يلي:
-تناول المضادات الحيوية لعلاج العدوى الفيروسية مثل الأنفلونزا أو نزلات البرد (فهي لا تُجدي نفعًا!)
-عدم إكمال الجرعة كاملةً أو إكمال مدة العلاج حسب استشارة الطبيب
-إعطاء المضادات الحيوية لحيوانات المزرعة السليمة لتسريع نموها
-مشاركة ما تبقى من المضادات الحيوية مع الآخرين
-سوء النظافة والصرف الصحي، مما يُساعد على انتشار البكتيريا المقاومة
"البكتيريا المقاومة" هي بكتيريا أصبحت مقاومة للعديد من المضادات الحيوية المتاحة، أو حتى لجميعها.
ومن الأمثلة الخطيرة عليها:
MRSA (المكورات العنقودية المقاومة للميثيسيلين) وهي شائعة في المستشفيات.
CRE (الأمعائية المقاومة للكاربابينيم) وقد تكون قاتلة وصعبة العلاج
السل المقاوم للأدوية وهي مشكلة مُتزايدة في العديد من البلدان
تتطلب مُكافحة مقاومة المضادات الحيوية تعاونًا عالميًا، ولكن يُمكنك إحداث فرق أيضًا.️
-تناول المضادات الحيوية فقط عند وصف الطبيب.
-لا تطلب المضادات الحيوية أبدًا لعلاج نزلات البرد أو الأنفلونزا إذا كانت بسبب فيروس.
-احرص دائمًا على إكمال الجرعة الكاملة من المضادات الحيوية حتى لو شعرت بتحسن.
-لا تشارك المضادات الحيوية مع الآخرين.
-احرص على النظافة والحرص على غسل اليدين جيداً للوقاية من العدوى في المقام الأول.
-وصف المضادات الحيوية فقط عند الحاجة.
-تثقيف المرضى حول الاستخدام الصحيح.
-مراقبة العدوى المقاومة ووضع خطط للوقاية منها.
-الحد من استخدام المضادات الحيوية في الحيوانات السليمة.
-تحسين ظروف معيشة الحيوانات للوقاية من الأمراض دون أدوية.
-الاستثمار في مضادات حيوية جديدة، واختبارات سريعة، ولقاحات أفضل.
-تعزيز سياسات مكافحة العدوى.
-تثقيف الجمهور عن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
وفي الختام، كانت المضادات الحيوية تُعتبر في السابق حلولاً سحرية، وهي لا تزال كذلك من نواحٍ عديدة، لكن لا يمكننا الاستهانة بها، وإن لم نتحرك الآن، فإننا نخاطر بفقدان إحدى أهم أدوات الطب الحديث، فمقاومة المضادات الحيوية تؤثر بالفعل على الناس حول العالم لكن بالعمل معًا، يمكننا إبطاء وتيرتها وحماية الأجيال القادمة.