مع استمرار التطور العالمي السريع والنمو المذهل في كافة المجالات، تزداد حاجتنا إلى الموارد بكافة أنواعها، فهي العمود الفقري واللبنة الأساسية للنهضة، ولولاها لما تمكنا من الوصول إلى ما نحن عليه اليوم من تقدم وازدهار، والسؤال الأهم هنا، ماذا لو نضبت هذه الموارد في المستقبل، كيف ستعيش الأجيال القادمة؟ هل نعيش نحن الرقي والازدهار ونترك لأبنائنا وأحفادنا الفقر والحاجة.
من هنا تكمن أهمية الإدارة المستدامة للموارد وكيفية تسخيرها اليوم لتكون ثروات للأجيال اللاحقة.
آن الأوان للاعتراف بأن الوفرة التي نعيشها اليوم لها ثمن باهض، هذا إن أردنا تدارك التبعات في تأمين مستقبل واعد لأنفسنا وللأجيال القادمة.
فلابد أن ندرك أن مواردنا محدودة، وإذا واصلنا استغلالها دون ترشيد فإننا نخاطر باستنفاذها، وحتماً العواقب كارثية، وإن لم تكن في المستقبل المنظور، رغم أننا بالفعل نشهد آثارها اليوم على هذا الكوكب بأشكال متعددة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الاحتباس الحراري الذي أدى إلى التغير المناخي، وانحسار المساحات الخضراء والغابات، وانقراض عدد لا يحصى من الحيوانات، وما إلى ذلك من مهددات لديمومة الحياة.
إن تجاهلنا للمخاطر لا يغير ما حولنا فحسب، بل يعرض رفاهيتنا للخطر، لذلك جاء المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، الذي عقد يومي 13 و14 من الشهر الجاري، تحت شعار "موارد اليوم.. ثروات الغد"، ليذكرنا بجوهر وجودنا على هذه الأرض وهو "إعمارها"، وحملنا جميعاً المسؤولية تجاه عالمنا الذي نعيش فيه.
كما رفع المنتدى الدولي للاتصال الحكومي رسالة مفادها أننا أمام مفترق طرق علينا فيه الاختيار لنحدد مصير كوكبنا وثرواته للأجيال القادمة، فنحن نقف أمام منعرجين، أولهما طريق الاستهلاك المتهور الذي يحقق مكاسب آنية سريعة، أما الثاني فهو طريق المحافظة على كوكبنا وثرواته وضمان ديمومته.
جميعنا ندرك بأن مفهوم الاستدامة ليس بجديد، وهو متجذر لاعترافنا بمحدودية مواردنا وإدراكنا بوجوب استخدامها بحكمة لضمان حصول الأجيال القادمة على الفرص نفسها وذات الثروات التي نتنعمُ بها، ما يجعلنا وجوباً نتخذ التحول من نهج الاستغلال واللامبالاة إلى نهج الإيثار والحرص على الثروات واستمراريتها.
كما أصبحت ضرورة ملحة الفطنة بجوهر الاستدامة وأنها ليست مقتصرة على الصناعة والاقتصاد فقط، بل تمتد لتشمل كافة مناحي الحياة من الطعام الذي نستهلكه إلى الطريقة التي نسافر بها والمنتجات التي نستخدمها.
ويمكن لتغييرات صغيرة في أسلوب حياتنا اليومي كالتقليل من بصمتنا الكربونية والترشيد في استهلاك المياه وإعادة التدوير أن تحدث فارقاً جوهرياً تنعكس آثاره الإيجابية على صحة كوكبنا.
كما ويجب علينا أن نعي أنه لا يمكن للأفراد وحدهم تحقيق الاستدامة، إذ أنها تتطلب عملاً جماعياً وتعاوناً على جميع المستويات من الحكومات والشركات إلى المجتمعات والأفراد، وعلى الحكومات وصانعي السياسات إعطاء الأولية لحماية البيئة والحث على الممارسات المستدامة والمكافئة عليها، والأهم من ذلك علينا تثقيف وتوعية الأجيال القادمة بأهمية الحفاظ على الموارد، وإلهامهم بفكر يسخر إرثاً غنياً بالموارد والفرص.
نأمل من حكومتنا الرشيدة التكثيف من عقد مثل هذه المنتديات التي تناقش موضوع الاستدامة، لنتذكر ونذكر دوماً بأن موارد اليوم هي الأساس لثروات الغد، وأنه تقع على عاتقنا مسؤولية العناية الفائقة بخيرات أرضنا، فدعونا نختار الاستدامة منهجاً ليس فقط من أجلنا ولكن من أجل الكوكب الذي نسميه وطناً.