الإسلام والتوظيف الحضاري للعقل الإنساني

وحين نتأمل نصوص الوحي الإلهي من الكتاب والسنة نجد منهجاً متكاملاً للتوظيف المعرفي والحضاري لهذا العقل الإنساني، ويمكن تلخيص معالم هذا المنهج من خلال ما يلي:

أولاً: الدعوة إلى النظر العقلي في المجالين الكوني والإنساني باعتبارهما أعظم المجالات التي يمكن للعقل الإنساني أن يتوصل إلى نتائج منهجية من خلال النظر فيهما فقال تعالى:  (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [يُونُسَ: 101]، وقال جل ذكره: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف 185)، وقال آمراً بالنظر إلى الإنسان وما فيه من أسرار الخلق (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) (الطارق5) ووجه الإنسان للنظر إلى طعامه فقال: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) [عَبَسَ: 21- 24] 

إن هذه الآيات تؤسس للنظر العقلي الذي يهدف إلى كشف أسرار المخلوقات والتوصل إلى بعض من الحكم الإلهية فيها، والتوظيف المعرفي لهذا النظر يكون من خلال انطلاق المعرفة الإنسانية من خلاله وجعله السبيل الأول للمنهجية المعرفية.

ثانياً: جعل الحكمة عنوان الطلب العقلي 

لقد جعل الإسلام من الحكمة والتي هي في أبسط تعريفاتها وضع الشيء في موضعه، جعل منها الإسلام الغاية التي يجب أن يتوجه إليها النشاط العقلي دون النظر إلى سياقها الزماني أو المكاني أو حتى من نطق بها، لذا جاء عن سعيد بن أبي بردة قال: كان يقال: الحكمة ضالة المؤمن يأخذها إذا وجدها (مصنف ابن أبي شيبة) إن هذا المعلم المعرفي حين كان ظاهراً جلياً عند رواد الحضارة الإسلامية استطاعوا أن يأخذوا النافع من معارف الأمم وميراث الحضارات فكانوا حلقة عظيمة من حلقات التحضر الإنساني.

ثالثاً: توجيه العقل نحو التفكير الإبداعي 

التفكير الإبداعي هو توجه عقلي غير تقليدي نحو قضية من القضايا، وهو سبيل عظيم من سبل التطور المعرفي الإنساني.

رابعاً: التوصل إلى القواعد الكلية 

إن من أعظم مجالات العمل العقلي التوصل إلى قواعد معرفية كلية تندرج تحتها الجزئيات والفروع، ولقد كان هذا المعلم وراء إنتاج الكثير من العلوم الشرعية، كعلم أصول الدين وعلم أصول الفقه وغيرهما من العلوم.