الوسواس القهري.. وكيفية التعامل معه

وبالطبع فإن هذا الاضطراب يمكن أن يصيب الناس العاديين ويرهقهم بأفكار ومشاعر وأفعال متعبة تجعلهم يظنون أنهم على وشك الجنون. ويعد اضطراب الوسواس القهري من الاضطرابات النفسية الشائعة، حيث يعاني نحو واحد من كل خمسين شخصاً من سكان العالم من هذا الاضطراب. ويتميز بالتفكير المُتكرر والشديد في الأفكار المخيفة والقلق المُفرط والمزعج والتي يصعب التخلص منها، ويتم تسمية هذه الأفكار بالوسواس. وكثيراً ما يصاحب هذا التفكير المُتكرر سلوكيات قهرية وتكرارية مرهقة ومؤرقة، تعرف بالأفعال القهرية.

وتتفاوت أعراض الوسواس القهري بين الأفراد، ولكن من بين الأعراض الشائعة الخوف من التلوث والحاجة الملحة للغسل بشكل مستمر حتى الإصابة بالجفاف أو الجروح، وقد يأخذ هذا الوسواس طابعاً دينياً يجعل الشخص يكرر الوضوء والاغتسال لفترات طويلة.  كما يشكو الكثيرون من الخوف من الإصابة بالأمراض والعدوى، والخوف من القيام بأي شيء يمكن أن يؤذي الآخرين، والخوف من فقدان الأشياء أو تركها في أماكن عشوائية. لذلك يقوم الشخص بالتحقق من الأشياء بشكل مستمر مثل التأكد من إقفال الأبواب والنوافذ والتحقق من وجود المحفظة أو المفاتيح. كما قد يقوم بترتيب الأشياء بشكل محدد ومتكرر، والتأكد من ترتيبها بشكل صحيح وبدون أي خطأ.

ومن أهم مميزات الوسواس القهري أنه يؤثر على حياة الشخص المصاب بشكل كبير، حيث يعيش الشخص المصاب بالوسواس القهري حياة مليئة بالقلق والخوف. كما يمكن أن يتسبب الوسواس القهري في صعوبة القيام بالواجبات اليومية بشكل طبيعي وأن يستمر المرء في تطوير نفسه بسبب الوقت الذي يقضيه في التفكير بالوساوس والأفعال القهرية المتكررة التي يقوم بها. 

تم تشخيص ليوناردو دي كابريو بأنه مصاب بالوسواس القهري عندما كان طفلاً. وقد تغلب دي كابريو مثل الكثيرين من المرضى على الوسواس القهري بمساعدة العلاج النفسي والأدوية. وإن علاج الوسواس القهري بشكل فعال متوفر ويتضمن العلاج السلوكي المعرفي والأدوية النفسية ومنها مضادات الاكتئاب التي تعمل على تثبيط إعادة التقاط السيروتونين. 

ويتضمن العلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري التعرف على الأفكار السلبية والوسواس التي يعاني منها المريض وتحديد أفكار وسلوكيات جديدة تساعد على التغلب على الوسواس وتقليل القلق والتوتر. كما يجب أن يقوم المريض بالمواجهة المتكررة للوسواس والتحدث عنها مع المعالج، مما يساعد المريض على فهم الأفكار الخاطئة وتغييرها واستخدام التدريبات العملية لمساعدة المريض على تحسين تصرفاته والتعلم من الأخطاء.

ومن أهم التقنيات التي يمكن استخدامها تقنية "التعرض ومنع الاستجابة" Exposure and Response Prevention. وتتمثل هذه التقنية في تعريض المريض للمواقف أو الأشياء التي تثير الوسواس لديه، ومنعه من الاستجابة لها بالطرق التي كان يفعلها في الماضي، مثل الغسيل المتكرر أو التحقق المستمر. وتهدف هذه التقنية إلى تغيير تفكير المريض حول الوسواس والتخلص منه، بدلاً من تجنبها أو الاستجابة لها بشكل غير صحيح. ويتم تطبيق هذه التقنية بشكل تدريجي ومنظم، حتى يصبح المريض أكثر قدرة على التحكم في ردود الفعل الناجمة عن الوسواس والتخلص منه بشكل فعال.

وأخيراً فإن المعالج النفسي يمكنه أن يساعد المريض على التعلم عن كيفية تجنب المواقف الضارة والتدرب على التعامل معها بشكل صحيح وتحسين قدرات التحمل العاطفي. ويتطلب العلاج السلوكي المعرفي الوقت والجهد والالتزام، ولكنه قد يكون فعالاً جداً في تحسين نوعية حياة المريض المصاب بالوسواس القهري وتخفيف الأعراض المصاحبة له.