إن جولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" جاءت تحمل معها بشائر الخير للبلاد، فجولته كالغيث يغدق على الناس ماءً ورِيّاً، ويروي الأرض صيّباً وودقاً، ويجود على الروح بما رزق، وهي كالوابل يسيل مسكاً في طرقاتها وطلاً يعيد للوجوه جمالها وإشراقها، أينما وقع نفع، لا يميز بين مكان ومكان، به تنتشي الأرض من طشٍّ ورَشّ، وترتوي الصحاري من عطش، وبه تشرق الفيافي بعد غطش.
وعندما يتكلم العظماء عن السكن فلنعلم أن التركيز منصبٌ على سكن المعنى والمبنى وتعزيزاً للمعنى الحقيقي للراحة والسكينة للمواطنين في دولتنا الفتية، فتوجيهات رئيس الدولة - حفظه الله – بما يتعلق من توفير الاستقرار الأسري للمواطنين وتوفير الحياة الكريمة ورفع مستوى جودة الحياة لهم وتحقيق سعادتهم؛ جاءت ترجمة حقيقيةً لهذا المعنى؛ فهي توجيهات سديدة تصب في صالح الوطن والمواطن وخطوات متسارعة نحو مستقبل مشرق بإذن الله.
وهذا ما لمسناه أيضاً في النظرة الثاقبة والحكيمة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي - حفظه الله - حاكم إمارة الشارقة من توجيهات سامية في تطوير منظومة الإسكان للوصول إلى إسكان ريادي يوفر الاستقرار السكني للأسر المواطنة.
فقد تعلمنا من قادتنا وولاة أمورنا حفظهم الله وسدد خطاهم، أنّ الإنسان هو ثروة هذا الوطن ولا شيء أغلى من أن ينام الفرد قرير العين هانئاً متنعماً في رغدٍ وفير وعيشٍ كريم.
وإذا ما استقرأنا تقارير البرامج الإسكانية على المستوى المحلي أو العالمي وعلى سبيل المثال تقرير التنمية البشرية العالمية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، "ENDP"، نجد أن موضوع الإسكان أو المسكن يعد العنصر الأساسي الثالث في تكوين سلة السلع التي تحدد الحد الأدنى لمعيشة الإنسان.
ولذلك اعتنت القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة أشد العناية بالبرامج الإسكانية بل وجعلتها من أولوياتها الرئيسية.
وها هي البرامج الإسكانية باختلافها تسعى من قبل وحتى الآن إلى تأمين الحياة الكريمة للأسرة المواطنة في كل إمارة من إمارات الدولة عبر تقديم خدمات إسكانية مبتكرة ذات جودة عالية تساهم في الاستقرار الأسري.
ويمكننا أن نصور منظومة الإسكان إذا صح التعبير كالآلة المتحركة تتحرك مع التطور الاجتماعي والاقتصادي للشعوب، ليس فقط لسد احتياجات المجتمع من الوحدات السكنية فحسب؛ وإنما أيضاً لمواجهة متطلباته المعيشية المتغيرة وتوفير مستوى راقٍ من منظومة العيش الكريم.
وإذا أمعنا النظر حول الدائرة المحيطة بموضوع السكن والإسكان نجد أن بناء السكن عند المعماري هو عبارة عن تصاميم تتوافر فيها الأشكال الهندسية والجمالية في الإخراج النهائي للمبنى.
وهو عند المخطط العمراني توازن بين العرض والطلب وهو تبصّر بالاحتياجات المستقبلية القريبة أو بعيدة المدى واستشراف المستقبل من الناحية العمرانية، وهو العنصر الرئيس في تخطيط المدن إذ يمثل محتوى البناء فيها أكثر من 60 %.
وهو عند السياسيين حق لكل مواطن يلتزم المجتمع بتحقيقه، وعند الاقتصادي دخل وتكاليف وقروض وعائد ودعم واستثمارات، وهو عند القانونيين عقود للبيع والشراء ورهن وعلاقة بين المالك والمستأجر، وهو عند الإداري تنظيم وإدارة وتشغيل وصيانة.
وعند الاجتماعي أسرة ومجتمع وأساس للحياة الاجتماعية السليمة وارتباط بالبيئة المحلية من تقارب الأبن مع أبيه والأخ مع أخيه وابن العم مع ابن عمه لتكون في نهاية الأمر لحمة اجتماعية على شكل ضاحية أو قرية أو فريج.
أما النظرة الثاقبة والحكيمة عند الحاكم لمعنى السكن؛ فهو " سكن المعنى والمبنى " وهي كل هذه المعاني الراقية التي استطردنا الحديث عنها، ولكنها برؤى حكيمة من أب عطوف على أبنائه ؛ وذلك لأن منظومة السكن هي العامل الأول للاستقرار النفسي والاجتماعي وهي أمل للأولاد والأحفاد، كما هي سر استمرار الحياة وإرادة الله في تعمير الأرض.
وإن نظرنا للسكن من منظور شرعي فحدث ولا حرج، حيث نجد أن ديننا الحنيف زاخرٌ بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تُبرز مفهوم السكن؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد في قوله تعالى: "والله جعل لكم من بيوتكم سكناً" النحل: (80)، أي أن الله سبحانه وتعالى جعل من بيوتكم مكان للراحة والاستقرار المادي والروحي مع أهليكم، ففيها السكينة والطمأنينة.
وفي قوله تعالى: "وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم" الانعام:( 13)، أي ما هدأ واستقر، فكل متحركٍ نهاراً سيسكن ليلاً وكل متحرك ليلاً سيسكن نهاراً، وهو معنى جميل يحتوي على الراحة والإيواء، وهدفه السكون والاستقرار النفسي والمادي، وهذا هو الأصل الأصيل في الرؤية السامية للقيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة.