أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أحدث تقاريرها التي تشير إلى أن المسار البيئي الحالي الذي يسلكه العالم لم يعد مجدياً، وأشارت الهيئة في تقريرها الأخير (Climate Change 2021) إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيجعل التغيرات المناخية القاسية تزداد سوءاً إلى درجة أن العالم سوف يصبح مكاناً يصعب العيش فيه، وقد بدأت الحكومات حول العالم تشعر بالتكاليف الاقتصادية الباهظة التي تقدر بمليارات الدولارات بسبب الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية القاسية مثل الجفاف وحرائق الغابات والفيضانات.
وتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة بصفتها من الدول الموقعة على ميثاق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تقاريرها الدورية الخاصة التي تعدها وزارة التغير المناخي والبيئة، وقد جاء في أحدث تقرير للعام 2021 أن الدراسات التي يتركز اهتمامها على الإمارات العربية المتحدة وشبه الجزيرة العربية أجمعت على أن متوسط درجات الحرارة قد ارتفع وسوف يستمر في الارتفاع، وأن التغيرات المناخية في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج العربي ستؤثر على القطاعات الحيوية فيها، بما في ذلك الطاقة والبنية التحتية والصحة والزراعة والبيئة.
ومن الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى القيام بعمل ما، ولحسن الحظ فإن قيادة دولة الإمارات قد بدأت بالفعل في اتخاذ الخطوات الصحيحة، إذ تركز الأجندة الوطنية لرؤية دولة الإمارات العربية المتحدة 2021 على تحسين جودة الهواء والحفاظ على الموارد المائية وزيادة مساهمة الطاقة النظيفة وتطبيق خطط النمو الأخضر، وتتضمن بعض أهدافها أن يتم بحلول عام 2050 توفيراً في المياه بنسبة 30%، وزيادة بنسبة 40% في كفاءة الاستهلاك، بالإضافة إلى 50% زيادة في إمداد الطاقة المتجددة والنظيفة وصولاً إلى تحقيق نسبة 70% في خفض البصمة الكربونية، وتهدف الاستراتيجية إلى أن تتبوأ دولة الإمارات مكانة رائدة عالمياً في مجال التقنيات الخضراء التي تدعم النمو الاقتصادي.
إذن كيف يمكننا تحقيق هذا التوازان الدقيق بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية طويلة الأجل؟ تكمن الإجابة على ذلك في إعادة التفكير الأساسي في نهجنا للتنمية الاقتصادية التي تبدأ بالاستدامة كهدف جوهري أكثر من كونها أمراً ثانوياً.
ومن هنا، أشعر بامتياز كبير، وأفخر بقيادة مشروع مثل مدينة الشارقة المستدامة، لأن هذا المشروع وغيره من المشاريع المماثلة في الدولة كمدينة مصدر في أبوظبي، والمدينة المستدامة في دبي، تساعدنا في معرفة ما نحتاجه لتلبية الاحتياجات السكنية والاجتماعية للعدد المتزايد من السكان دون التأثير سلباً على البيئة.
ومن خلال عملنا مع شركة "دايموند ديفيلوبرز"، تمكنا من تطبيق العديد من الدروس التي لا تقدر بثمن من المدينة المستدامة في دبي وتطبيقها في تطوير مدينة الشارقة المستدامة لنقل فكرة التنمية المستدامة إلى المستوى التالي.
إذن ما هي "المدينة المستدامة" بالضبط؟ إنها جزء من حركة عالمية تعنى بإيجاد حلول عملية لمقابلة الطلب المتزايد على الغذاء والماء والموارد الطبيعية الذي تضاعف خلال الـ 50 عاماً الماضية، وقد تم تصميمها بهدف خفض البصمة الكربونية للمجتمع، حيث يتم تشغيلها بالكامل بالطاقة المتجددة، والعمل على إعادة تدوير المياه والنفايات، وتشمل حلول التنقل الكهربائي مثل محطات الشحن للسيارات الكهربائية والمركبات ذاتية القيادة.
أما فيما يتعلق بالطقس الحار في دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن للمطورين الاستفادة من أتمتة المنازل الذكية والأجهزة الموفرة للمياه إلى جانب الأجهزة الكهربائية الموفرة للطاقة لتحقيق وفورات في استهلاك المقيمين. حيث يمكن للمعماريين تطبيق التصميمات الذكية واتجاه المبنى لتجنب أشعة الشمس وزيادة التظليل لتقليل الامتصاص الحراري. كما يمكن أن يشمل ذلك الجدران والأسقف والنوافذ العاكسة والعازلة للأشعة فوق البنفسجية لتقليل أحمال تكييف الهواء واستهلاك الطاقة الكهربائية والكربون الناتج عن عمليات التبريد والانارة وغيرها، ويمكنهم استخدام أرضيات بمؤشر انعكاس شمسي مرتفع لتقليل الامتصاص الحراري والانزعاج الحراري للجسم.
وحتى النفايات يمكن استخدامها لخلق اقتصاد دائري، ويمكن معالجة النفايات العضوية مثل الطعام والنفايات الخضراء والرواسب الطينية التي يمكن معالجتها في الموقع باستخدام مصنع للغاز الحيوي لتحويلها إلى مصدر (للكهرباء أو الطاقة الحرارية) وتقليل الانبعاثات المتصلة بشاحنات القمامة، ويمكن تجفيف أي نفايات عضوية متبقية واستخدامها كسماد لأشجار الزينة، كما يمكن معالجة مياه الصرف الصحي لري أشجار الزينة، وتحقيق إعادة تدوير المياه بنسبة 100%، وتجنب الانبعاثات المرتبطة بخزانات المياه.
إلى جانب ذلك، فهناك الكثير ما يجب القيام به، والدروس التي يجب تعلمها والابتكارات الجديدة التي يتعين القيام بها في مجالات التنمية المستدامة، ولتبادل المعرفة وتشجيع الابتكار، قامت مدينة الشارقة المستدامة بإبرام شراكة مع الجامعة الأمريكية في الشارقة لدعم البحث الأكاديمي في مجال التنمية المستدامة، وسوف يساهم إشراك عقول شابة نيرة في ترسيخ مفهوم الاستدامة لديهم ليكونوا خبراء المستقبل، مما يساعدهم في صنع مستقبل مستدام لهم ولأبنائهم.
إذن ما نحتاجه للمضي قدماً هو يستقي جميع مطوري العقارات الدروس المستفادة من مدينة مصدر والمدينة المستدامة – دبي ومدينة الشارقة المستدامة، وتطبيقها في جميع المشاريع العقارية التي تمضي قدماً لضمان تحقيق التنمية الاقتصادية بدون تكاليف باهظة.