جار التحميل...

°C,

مراعاة "أَثْلَاثِ الجَسَد" في شهر رمضان المبارك

إن استهلاك الأطعمة خلال شهر رمضان المبارك يزداد عند طائفة من المستهلكين مقارنة مع بقية الشهور، وقد لا نحتاج إلى أدلة كثيرة لإثبات ذلك؛ حيث يأتي في طليعتها الازدحام الكبير الذي نشهده في أمكنة التسوق من قبل المتسوقين لهذا الغرض بشكل يفوق معدلاته في بقية شهور السنة.
والمنطق الذي يفرض نفسه في هذا المجال بالنسبة لنشاط استهلاك الأطعمة يوضح أنَّ هذا الموسم يفرض من حيث الأصل خفض قيمة الفاتورة الاستهلاكية في هذا النطاق بسبب صيام المستهلك خلال النّهار، الأمر الذي يجعله محتاجاً إلى وجبَتيْن اثنتين: العَشَاء والسّحور، وهذا يستنتج منه أنَّه ينبغي أن تنخفض قيمة الفاتورة الاستهلاكية بنسبة الثّلث بالمقارنة مع بقيَّة الأشهر، لكنّ الذي يحصل خلاف ذلك، إذ تزداد قيمة الفاتورة الاستهلاكية خلال هذا الشهر الكريم عن بقية الأشهر عند طائفة من المستهلكين.  

وما ينبغي ذكره في هذا المجال أن العلاقة بين تناول الطعام والغذاء قد تتبدّل من الناحية الإيجابية إلى الناحية السلبية، فالأصل أن يؤدي تناول  كل طعام إلى غذاء أو منفعة بالنسبة إلى المستهلك؛ وهنا تكون العلاقة طردية عندما يسهم ذلك في إشباع حاجة الجسد من الطعام، لكن ذلك قد ينقلب إلى الوجه الآخر وتظهر العلاقة العكسية بين تناول الطعام والغذاء؛ فعندما يصل تناول الطعام إلى مرتبة الإسراف؛ فقد لا يكون فيه غذاء؛ لتناقص المنفعة الحدّية له، بل يكون فيه ضرر؛ لأنه تم إدخال كمية من الأطعمة إلى جسد المستهلك تفوق حاجته.

هذا إذا استهلك تناول الأطعمة المشتراة، لكن قد تشترى ولا تستهلك، بل تلقى في النفايات مما يؤدي إلى إتلاف جزء من الموارد الطبيعية التي خلقها الله سبحانه وتعالى لنستفيد منها، ويظهر ذلك من خلال إتلاف الأغذية المطبوخة أو غير المطبوخة بالإضافة إلى الفواكه والخضار التي تشترى للاستهلاك في رمضان، لكن بسبب الصيام يحصل العجز عن استهلاكها فيما خصص لها من وقت، وتلقى في النفايات لعدم قدرتها على تحمّل المزيد من الوقت لينتفع بها في قادم الأيام.

إن المطلوب من المسلم؛ صائماً كان أو مفطراً أن يطبق قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين [الأعراف: 31]، ففي هذه الآية مبدأ عظيم من مبادئ الاقتصاد الإسلامي في الإنفاق؛ لأنها تحثّ على عدم الإنفاق الإسرافي؛ وهي وإن جاءت في مضمون الطعام والشراب؛ لكنها عامة في هذا الباب.

وإذا أردنا ربط هذه الآية بواقع الصائم في شهر رمضان؛ فإن البعض قد يقع في فخّ الإنفاق الإسرافي في وقت إفطاره؛ فيأكل ويشرب بما يتجاوز حاجة جسده، والمعروف أن كل شيء يدخل جسدنا من طعام أو شراب إذا كان بما يتجاوز المقدار الذي يحتاجه، فسيؤدي ذلك حتمًا إلى زيادة وزن؛ لعدم قدرة هذا الجسد على استهلاك الطاقة الزائدة الداخلة إليه.

وما أحوجنا كصائمين في شهر رمضان أو مفطرين في بقية الشهور إلى التوقّف مليّاً عند الحديث الذي ورد عن مِقْدَامِ بن معدِي كَرِبَ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرّاً مِن بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ، فإن كانَ لا محالةَ، فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ. رواه الترمذي وقال: حديث صحيح، ولقد تضمّن هذا الحديث مفاهيم غاية في الأهمية وهي: ملء وعاء البطن بالطعام والشراب بما يفوق حاجة الجسد عُدّ من شرّ الأوعية، وهو فعل غير محمود وفيه ضرر، وحاجة الإنسان من الطعام أُكُلاتٌ أو لُقَيْمَاتٌ قليلة يقمن صلبه فيسدّ رمقه ويحافظ على قوّته، ولا يحتاج إلى الكثير منها، وفي حال تجاوز الأكلات أو اللقيمات "فإن كان لا محالة"، فالمطلوب مراعاة الأثلاث في التجاوز من خلال التوازن والاعتدال في أثلاث الجسد عند الطعام والشراب حتى لا تكون على حساب بعضها البعض، فيجعل ثلثاً لطعامه، وثلثا لشرابه، يدع ثلثاً لنفسه.
April 07, 2022 / 1:29 PM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.