عاش في أحد الأزمنة شاب يبحث عن السعادة وكان جل همه أن يلقاها بأي طريقة، فسمع عن حكيم، يسكن قلعة فوق أحد الجبال، فانطلق ذاهباً إليه أملاً أن يجد ما يطلبه، وبعد عناء ومشقة وصل إلى القلعة ووقف ببابها متأملا عدد الذين ينتظرون سؤال الحكيم حاجاتهم.
وصبر وانتظر حتى أتى دوره ومن ثم دخل للحكيم حاكيّاً مسترسلاً والحكيم ينصت إليه بانتباه تام حتى فرغ من حديثه، فقال له الحكيم: " اسمع يا بني هاك هذه الملعقة وضعت فيها بضع قطرات من الزيت وانتبه حتى لا تسكب منها شيئاً، وقم بجولة في أنحاء القلعة وعد بعد ساعة أكون قد وجدت لك حلاً.
وتجول الشاب في الأنحاء وبعد انقضاء المدة المتفق عليها عاد إلى الحكيم، وحين أقبل سأله الحكيم ما رأيك يا بني بالقلعة؟ فارتبك الفتى ولم يرد، فقال الحكيم ألم تشاهد الأعمدة المزخرفة والسجاد الفارسي والزهور واللوحات؟
وأجاب الشاب متحرجاً كلا يا سيدي كان جل فكري وتركيزي ألاّ تسكب قطرات الزيت، فابتسم الحكيم وطلب منه جولة أخرى على أن يعطيه رأيه في القلعة.
فانطلق الشاب يتفرج متفرجاً بدقه وفي قراره إبهار الحكيم بدقة ملاحظاته، ولما انتهى عاد واسترسل في الوصف والمدح حتى انتهى فقال له الحكيم وماذا عن قطرات الزيت يا بني فأجاب مرتبكاً وهو ينظر إلى الملعقة الفارغة انسكبت للأسف يا سيدي.
فقال له: " هنا يكمن المغزى يا بني لأن الإدراك والتركيز المتوازنان في سياق الحياة هما مصدرا تأمين قوي لإيجاد السعادة عش الحياة بحلوها ومرها فلا تهمل ولا تركز بإفراط بل باعتدال وتوازن تصل لمبتغاك".
وفعلاً يا أحبة للسعادة مقياس أنت الذي تحدد ملامحه بتوازنك النفسي المنضبط، وليس بشيء معين قد تظنه هو أساساً ومصدراً لسعادتك، فأحسنوا الاختيار ولكم القرار.