برع عدد كبير من المطببين والمطببات في مجال العناية بصحة الأفراد والعائلات في إمارة الشارقة على فترات مختلفة، فظهر مطببون في علاج المرضى بالوسم (الكي)، وآخرون في الحجامة، وجبر الكسور، والعلاج بالأعشاب الطبيّة، والمسح (التدليك)، والرقية الشرعيّة، ولم تكن ممارساتهم الصحيّة والطبيّة إلّا نمطًا من عاداتٍ متوارثةٍ معهودةٍ من ناحية أولى؛ وامتدادًا للطب النبوي الشريف من ناحية ثانية.
وسوف أقتصر في مقالتي على أشهر المطببين والمطببات في إمارة الشارقة ممن ذاع صيتهم داخل الإمارات وخارجها.
أولًا: أبرز المطببين في إمارة الشارقة:
الطبيب الشعبي (حميد وابنه سيف الشامسي):
كان حميد بن عبدالله بن كتارة الشامسي من مواليد إمارة الحمريّة عام 1885م، توفي عام 1965م، اشتهر ببراعته في علاج مرضاه بالوسم (الكي)، حيث كان الناس يأتون إليه من مختلِفِ أنحاء الإمارات وخارجها. تعلم الطبابةَ الشعبيةَ منه ابنُه (سيف بن حميد كتارة الشامسي)، وهو من مواليد الحمريّة أيضًا عام 1919م، توفي في مدينة صلالة العمانيّة عام 2001م، كان ماهرًا -كأبيه- في علاج المرضى بالوسم (الكي)، ولم يتخذها مهنةً للكسب؛ بل خدمةً الناس ومداواةً لمن ابتُلوا بالأمراض وقتذاك.
ومن الأمراض التي برع (سيف الشامسي) في علاجها؛ عرق الرضاخ (هو القولون العصبي)، والقرح (أي الأمراض الجلديّة)، وعرق النساء وغيرها من الأمراض المختلفة حتى نال شهرة واسعة.
الطبيب الشعبي: عبدالله بن مصبح بن سنان العليلي: من أبناء إمارة الشارقة، توفي عام 2015م عن عمر يناهز الثمانين (80) عامًا تقريبًا، اشتهر بالحجامة والوسم (الكي)، وتجبير الكسور وعلاج الأمراض الجلديّة، وكان يسكن في منطقة المصلى التابعة للشارقة.
الطبيب الشعبي: سعيد بن بشر السويدي: ولد في منطقة الخان التابعة للشارقة، اشتهر بجبر الكسور والحجامة والوسم وعلاج الأورام.
الطبيب الشعبي: حمد محمد المشغوني: من مواليد عام 1900م، ولد في فريج (الشويهيين) بالشارقة، كان والده محمد حمد المشغوني طواشًا (أي تاجر لؤلؤ)، حفظ حمد المشغوني القرآن الكريم على يد الشيخ عبدالكريم البكري (وهو أحد النجديين الذين جاءوا لتعليم القرآن الكريم)، ثم سافر حمد المشغوني إلى قطر لتلقي التعليم، فقرأ كُتُبًا في التاريخ منها: (البداية والنهاية) لابن كثير، وحفظ أجزاءً منه، وكتاب (فتوح البلدان) للبلاذري، واطلع على بعض الكتب الطبيّة لعلماء المسلمين ومنها: كتاب (تسهيل المنافع في الطب والحكمة)، تأليف: إبراهيم بن حمد عبدالرحمن الأزرق، وفيه باب لكل مريض.
وكان حمد المشغوني يعالج مرضاه دون مقابل، ويرقي مرضاه ببعض الآيات القرآنيّة، كما كان يقوم بعمليّة المحو (وهي عبارة عن ماء تقرأ عليه بعض الآيات القرآنيّة والأدعيّة)، ومما يذكر من ذلك أنه عندما جاءت إليه امرأة وبيدها قليل من الزعفران وزجاجة ماء الورد وشرحت له ما تعانيه من وجع في إحدى عينيها، فأمسك بصدغها (وهو الجزء الخلفي الواقع بين العين والأذن) بيديه، وشرع يتلو بعض الآيات القرآنيّة على ماء الورد الذي فيه الزعفران، وما إن فرغ إذا بالمرأة قد تعافت.
ثانيًا: أبرز المطببات في إمارة الشارقة:
لقد أدّت المرأة دورًا بارزًا في الشارقة في الجانب الصحي والطبي، وقد برز عدد منهن في العلاجات الشعبيّة، من أبرزهن:
الطبيبة الشعبيّة (علياء بنت عبدالله بن هزيم الشامسي): ولدت في منطقة الحمريّة التابعة لإمارة الشارقة عام 1897م أو 1898م، ثم انتقلت للعيش في الشارقة، وبها درجَتْ، فتعلمت كثيرًا من العلاجات الشعبيّة حتى أتقنتها واشتهرت بمعرفتها التامة بها، من مثل: الوسم، توليد النساء، والتدليك (المسح)، وقد توفيت عام 1971م بعد رجوعها من الحج في مطار الظهران، ودفنت هناك رحمها الله تعالى.
الطبيبة الشعبيّة (مريم بنت علي بن خلفان بو شليبي): اشتهرت ببراعتها في علاج أمراضٍ جلديّة؛ فكانت تعالج السيلان، وهو مرض جلدي يصيب الجنسين رجالًا ونساءً، ويسمى عند المرأة التهابًا، والإيدز، والهربس. وترى مريم أن علاج مرض السيلان يكون بتناول ورقة التبغ العريضة ولفها حول الوجع مرة واحدة في اليوم، إلى جانب شرب فنجانين من الماء المخلوط باللبان العربي صباحًا ومساءً.
وبلغت الطبيبة مريم من العمر 120 سنةً تقريبًا، وتسكن في حيّ المريجة، وقد تم تحويل منزلها الصغير إلى مستشفى صغير بأمر من الشيخ (سلطان بن صقر القاسمي) حاكم الشارقة سابقًا رحمه الله تعالى؛ لتعالج فيه الناس. تذكر المطبِّبة مريم أن مهنة الطبابة توارثتها أبًا عن جد، فوالدها كان طبيبًا معروفًا في مختلف مناطق الإمارات، وقد عرف عن قوم (بو شليبي) -كما تقول مريم- إتقانهم لمهنة الطب، وقد عالجَتْ مرضَى كانوا يعانون من مرض الجذام حينذاك، فقد تعرضت إمارة الشارقة لموجة من الأوبئة ومنها مرض الجذام عدّة مرات، مثل عام 1897م، وعام 1914م.
ومن الطبيبات الشعبيات في إمارة الشارقة:
عائشة بنت خليفة أبو شبص، ومريم بنت علي مبارك، وفاطمة بنت سليمان، وعطوي (هكذا اسمها) واشتهرن بالوسم وتوليد النساء والتدليك (المسح).
وبعد؛ فأكاد أزعم -بعد هذه التطواف- أن المقالة قد ألقت بعض الضوء على نماذج من المطببين والمطببات الذين برعوا في العلاجات الشعبيّة في الشارقة، وقد سعيت بحكم طبيعتي البحثيّة، وانتمائي إلى إمارة الشارقة الرائدة في المجالات الصحيّة والطبيّة والثقافيّة والاجتماعيّة أن أُولِيَ الجانب الاجتماعي المتمثل في الصحة والطب مزيد اهتمامٍ؛ رغبةً في الكشف عن دور هؤلاء المطببين كيلا يطوي مرُّ السنين ذِكْرَهُم، لا سيما أنني لم أجد دراسةً جامعيّةً أو كتابًا يتناول الجانب الصحي والطبي لإمارة الشارقة بتفصيل، وتلك ثغرة سعيت إلى سدها، والحمد لله رب العالمين.