ويأتي هذا الافتتاح امتداداً لجهود سموه المتواصلة في صون التراث الإماراتي المادي والمعنوي، وتقديمه كقيمة تعليمية وثقافية حية للأجيال، إذ يؤمن سموه بأن استحضار التاريخ ليس مجرد استذكار، بل هو بناء متجدد لهوية راسخة تسهم في صياغة وعي وطني أصيل، يعزز الانتماء ويربط الإنسان بأرضه وتاريخه.
في قلب خورفكان، استعادت "حارة الزبارة" نبضها القديم بعد إعادة إحيائها بعناية فائقة، حيث جرى ترميم بيوتها التاريخية وفق الطراز المحلي، بما يشمل المسجد الجامع، وبيت الوالي، والمضيف، وعدداً من المنازل التي احتفظت بعناصرها المعمارية التقليدية كالسّاباط والأسطح المائلة المقاومة للأمطار.
وقد تنوعت مرافق الحارة بين بيوت مخصصة للحرفيات والحرفيين تمثل البيئة الساحلية والزراعية، وبيت خاص بالتراث الثقافي، وآخر لفنون الترميم، بالإضافة إلى بيت العسل الذي يعكس جزءًا من الممارسات البيئية للمنطقة، وتنبض الحارة بأنشطة حيوية منها تعليم مهن السفافة، والتلي، والغزل، والخياطة، وصناعة العطور وتجهيز العروس، إلى جانب فعاليات فنية مثل الرسم والقراءة وورش للأطفال.
أما في واحة شيص الجبلية، فقد أعيد تشكيل المكان ليغدو مركزًا ثقافيًا مفتوحًا يطل على الجبال، ويجمع بين جمالية الطبيعة وروح التراث، وتم إنشاء مسرح مفتوح بخلفية حجرية وساحة واسعة للعروض والاحتفالات، إلى جانب مجالس ومجسمات توثق طبيعة الحياة في شيص قديمًا.
وتضمن المشروع أيضاً مكتبة ومقهى ثقافي صُمما بروح معمارية تدمج الجمالية المعاصرة بأصالة المكان، حيث تزينت الجدران بكتب وقصص تراثية، بينما أطل الزوار على مشاهد خلابة من جبال وادي شيص، كما جهزت "برزة أهالي شيص" لاستقبال الفعاليات المجتمعية بأجواء تراثية مريحة ومتكاملة.
وقد كان لمعهد الشارقة للتراث حضور فاعل في كافة مراحل التخطيط والتنفيذ لهذه المشاريع، حيث أشرف المعهد على تصميم وتفعيل المكونات التراثية، وحرص على ضمان أصالة المحتوى الثقافي، بالإضافة إلى إعداد مجموعة من الورش والبرامج الحية التي ستقام في هذه المواقع، بهدف تحويلها إلى منصات تعليمية وتفاعلية تعزز فهم التراث وتجعله جزءًا من الحياة اليومية.
استمع صاحب السمو حاكم الشارقة خلال الافتتاح إلى شرح تفصيلي حول رؤية المشروع، التي تقوم على دمج التراث المعماري بالثقافة المجتمعية، وتحويل هذه الحارات إلى مساحات للوعي الجمعي والتفاعل الإنساني.
ويأتي المشروعان كتجسيد حقيقي لرؤية الشارقة في جعل التراث ركيزة تنموية وثقافية متكاملة، تعزز مكانة الإمارة كعاصمة للثقافة العربية، وتؤسس لنموذج تنموي يستلهم ماضيه ليبني مستقبلاً أكثر تجذراً ووعياً.