جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

أَدوَمُه وإن قَلَّ.. منهج نبوي في استدامة العمل الصالح

08 أغسطس 2024 / 10:48 AM
صورة بعنوان: أَدوَمُه وإن قَلَّ.. منهج نبوي في استدامة العمل الصالح
download-img
إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك بابًا من أبواب استكمال النفس الإنسانية فضائلها إلاّ وأبان طريقته، وأوضح مسلكه لتتحقق معاني رسالته التي أبانها القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} [الأنبياء: 107]
ومن تلك السبل دفع النفس الإنسانية إلى استدامة العطاء النافع لها ولغيرها لما في تلك الاستدامة من ضمان لبقاء قيمة العطاء رغم اختلاف السياقين الزماني والمكاني لتكون هذه القيمة متأصلة تأصل الوجود الإنساني في هذه الأرض.

ومن تلك التوجيهات النبوية في تأسيس هذا المسلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «أدومه وإن قَلَّ» (أخرجه مسلم في صحيحه).

وقال المناوي: "فالقليل الدائم أحب إليه من الكثير المنقطع". (فيض القدير)

إن هذا القليل الدائم يمثل لبنة من لبنات البناء الإنساني للفضيلة والقيم، ذلك البناء الذي تشعر فيه النفس الإنسانية بمعنى وجودها في هذه الأرض.

وحين ذكر القرآن الكريم أوصاف القادرين على التعاطي الإيجابي مع الأحوال الإنسانية في الحياة ذكر أنهم الذين ينتهجون نهج استدامة العمل الصالح فقال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23).

وقد نقل ابن كثير ضمن أوجه تفسيرها أن المراد بذلك: الذين إذا عملوا عملاً داوموا عليه وأثبتوه. (تفسير ابن كثير).

إن أهل استدامة العبادة ينطلقون من نظرة صائبة تجاه هذه الحياة فلا يغيرون من إقبالهم على ربهم بتغير أحوالهم من فقر إلى غنى، أو من غنى إلى فقر ولا يتركون الإخبات له بتبدل أحوالهم من صحة إلى مرض أو من مرض إلى صحة، إنما هم في عبودية لله دائمة يؤدون من خلالها لكل حال ما يقابلها من صبر أو شكر. 

وحين كان من موانع تلك الاستدامة النظر المجرد إلى كم العمل، واستصغار ما يمكن أن تقبل عليه النفس من الأعمال الصغيرة، جاء في الحديث ما ينافي هذا النظر، فقال صلى الله عليه وسلم: "فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة" (أخرجه البخاري).

وقال ابن حجر: "اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشيء يسير" (فتح الباري لابن حجر).

إن هذا التوجيه النبوي يطلق الملكات الإنسانية نحو سبل الخير فلا تحتقر سبيلاً من سبلها ولا تستصغر باباً من أبوابها، مما يسهم في تشكيل منحى تراكمي من التعود على العطاء، يضحى بعد وقت قصير عادة مترسخة.

إن هذا المنحى هو الذي يجعل من حياة المؤمن حياة عامرة بالخير، لا مجال فيها لوقت ضائع، أو زمن مهدر بل كل أنفاسه لها قيمة، وجميع عمره له ثمرة.

فحري بالمؤمن أن يكون له في كل يوم صفحة من صفحات الصالحات، يتقرب بها إلى الله تعالى حتى لا يغبن أيامه.
August 08, 2024 / 10:48 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.