علاوةً على ذلك، يسير الاحتباس الحراري جنباً إلى جنب مع وسائل النقل الحديثة من نواحٍ عديدة؛ حيث إن التطورات التكنولوجية التي غيّرت الحياة وأدّت إلى زيادة الإنتاجية وأنماط السفر الجديدة السريعة؛ هي للأسف نفس التقنيات التي أسهمت في تلوث الكوكب على نطاق واسع. وعندما بدأت الآلات تحلّ محلّ العمالة اليدوية، زاد الطلب بشكل كبير على الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط، من أجل توفير الطاقة، مما جعل قطاع النقل ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات والاحتباس الحراري على مستوى العالم.
ويتمثّل التحدي في تعزيز بدائل النقل الصحية والمستدامة لمنع الآثار السلبية للقطاع على صحة كوكبنا والبشرية عموماً. حيث تتمثّل إحدى الطرق المهمة للقيام بذلك في التأكد من أن هذه القضايا تُشكّل جزءاً لا يتجزأ من جدول الأعمال عند صياغة خطط النقل، خاصةً في مرحلة تصميم أية بنية تحتية مستدامة؛ ذات أهمية حيوية للمناطق الريفية والحضرية.
وعلى غرار التطورات المستدامة التي صُمِّمتْ لتكون أكثر كفاءة في استخدام الموارد وأطول أمداً، هناك أيضاً وسائل لبناء طرق تتسم بالاستدامة والمرونة، مع الاستفادة من المجتمع والنظام البيئي المحيطين. وهذا يشمل دمج استخدام الأراضي وتخطيط النقل، وكلاهما أساسيان لتمكين النشاط الذي يساعد على عكس الاتجاه نحو التوسع الحضري، القائم على السيارات من خلال البدء بما يسمى بـِ "البنية التحتية الخضراء".
ويُشار إلى أن البنية التحتية الخضراء تدمج الشواغل الصحية، والبيئية، وغيرها من الشواغل الاجتماعية الأخرى، وهو الأمر الذي يتطلّب التزاماً عالي المستوى بالتعاون بين القطاعات، بدءاً من إدارة شبكة الكهرباء والمياه، وصولاً إلى حركة المرور والعبور التي يجب تحديثها، لدعم خفض الانبعاثات وتحسين جودة الهواء. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تضع تصاميم البنية التحتية والمناظر الطبيعية الحضرية بصمة لنظام بيئي متنوع، مع دعم الزراعة الحضرية، والتنقل الأخضر.
الجدير بالذكر أنه وخلال السنوات الأخيرة، وجّهت دول مجلس التعاون الخليجي جهودها نحو تبنّي تقنيات التنقل الذكية، من خلال إحداث تطورات في الممارسات اللوجستية، وكفاءة نظام النقل، والتنقل الحضري الصديق للبيئة. ويكمن الهدف في تقليل البصمة الكربونية لوسائل النقل، وتخفيف الآثار السلبية لتطوير الأراضي، وتعزيز فرص دمج الأراضي مع إبقاء الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في صميم التخطيط الحضري بالكامل.
وهنا يكون التعديل التحديثي وإعادة تطوير المناطق الحضرية الحالية لتصبح مدناً خضراء ذكية أمراً بالغ الأهمية، لأنه يخلق اتجاهاً جديداً للتخطيط للنقل المستدام الذي يُحفّز المجتمعات على استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة والموفرة للطاقة، مثل المركبات التي تعمل بالكهرباء، والمركبات الهجينة، ومشاركة المركبات، والتنقل باستخدام وسائل النقل الصغيرة، مثل الدراجات الكهربائية والدراجات العادية.
ومما لا شك فيه أن مدينة الشارقة المستدامة هي في طليعة تطوير حلول التنقل المستدام، من خلال عناصر متكاملة تضم شبكة واسعة من مسارات المشي وركوب الدراجات، لتعزيز أسلوب الحياة النشط والتنقل النظيف. حيث يشمل ذلك 11.8 كم من مسارات الجري المعالجة بالمطاط، و1.6 كم من مسارات ركوب الدراجات، و8.4 كم من مسارات المشاة، بالإضافة إلى محطات الشحن الذكية، وحافلات النقل الكهربائية بدون سائق؛ والتي تُقدّم جميعها نموذج عمل يُوضّح كيف ستبدو مدن المستقبل.
وفي الواقع، فإن تطوير مدن مستدامة ذات بنية تحتية خضراء يمكن أن يخلق فرصاً لأنظمة تنقل مستدامة وخضراء، والتي بدورها سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد، والبيئة، والمجتمعات مع بناء المرونة والنمو على المدى الطويل لدولة الإمارات العربية المتحدة.