جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

مرض الجدري في الشارقة (1935م-1936م)

27 ديسمبر 2021 / 11:56 AM
صورة بعنوان: مرض الجدري في الشارقة (1935م-1936م)
download-img
شهدت البشرية عبر تاريخها الطويل صراعاً محتدماً بينها وبين الأوبئة والأمراض، وسيظل الصراع مستمراً، وحسب الشواهد التاريخية فلا يوجد مرض معدٍ أكبر خطورة، وأشد ألماً، وأسرع انتشاراً من مرض الجدري.
لقد انتشر مرض الجدري في العالم فلم يترك بقعة على وجه البَسيطة إلا اجتاحها، ومن تلك المناطق التي تعرضت لهذا المرض الخطير منطقة الخليج العربي ومنها، مدينة الشارقة التي عانت منه في القرن المنصرم ما بين عامي 1935م إلى 1936م.

وللوقوف على تأريخ منضبط لهذا الأمر فسوف يجري الاستعانة بكتاب صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو مجلس حاكم الشارقة، والمعنون بـ "سيرة مدينة"، في طبعته المكتملة وفي الجزء الثاني منه، وقد صدر تزامنًا مع انعقاد معرض الشارقة للكتاب في عام 2017م. 

وقد استعرض صاحب السمو حاكم الشارقة، في هذا الكتاب الأحداث التي تعرضت لها الشارقة في القرن العشرين.

وقسم الكتاب في الجزء الثاني منه إلى 11 فصلاً، جاء الفصل الأول بعنوان "بناء محطة الشارقة"، والفصل الثاني "عن المعادن والبترول في الشارقة"، أما الفصل الثالث وهو أساس هذه المقالة "مرض الجدري في الشارقة"، وتناول الفصل الرابع "الشارقة وفلسطين"، أما الخامس فجاء بعنوان "خطاب الضمان"، والسادس "الشارقة والحرب العالمية الثانية"، ويتحدث الفصل السابع عن "إقامة قاعدة عسكرية في زمن الحرب"، والفصل الثامن "الأميركيون في الشارقة"، والفصل التاسع بعنوان "من محطة مدنية إلى قاعدة عسكرية"، والفصل العاشر فعنوانه "عقاب المدينة"، أما الفصل الحادي عشر والأخير فجاء تحت عنوان "أناشيد المدينة"، والكتاب من إصدارات منشورات القاسمي لعام 2017م.

وعن تناول الكتاب في فصله الرابع موضوع "مرض الجدري"، فأوضح أن مدينة الشارقة قد تعرضت لمرض الجدري لعدة مرات خلال سنوات مختلفة، بدءًا من عام 1898م حتى عام 1914م.

وأوضح أنه في هذه السنة مات جمع كبير من أهالي الشارقة، بلغ عددهم نحو 500 شخص، ومن بين الأشخاص الذين توفوا بسبب هذا المرض المعدي؛ الشيخ صقر بن خالد القاسمي، حاكم الشارقة (1883 ــ 1914م).

وقبل تعرض الشارقة لمرض الجدري في تلك السنة أي في عام 1900م، جاء إلى مدينة الشارقة الدكتور النطاسي إبراهيم سعيد أفندي عبدو القبرصي، حيث قدَّم لأهالي الشارقة لقاحًا مجانيًّا ضد مرض الجدري، ولم تمر سنون طوال حتى تعرضت الشارقة مرةً أخرى إلى المرض نفسه وذلك في عام 1935م.

وفي هذه السنة، توفي بهذا المرض عيسى بن عبد اللطيف السركال، الوكيل السياسي في الشارقة، حيث أراد القائد العام للقوات البريطانية زيارته في البيت، حيث كانت هناك شكوك من قبل المقيم السياسي في الخليج والوكيل السياسي في البحرين حول صحة مرض عيسى، فرأى عيسى السركال أن أفضل إجابة لاستفساراتهم أن يظهر لهم شخصيًا، وبالفعل سافر إلى البحرين، حيث قابل المسؤولين السياسيين البريطانيين، الذين تأكدوا بعد أن طالعوه أنه تعرض لهذا المرض الفتاك، وفي تاريخ 12 سبتمبر1935م توفي عيسى عبد اللطيف، بعد معاناة طويلة مع المرض رغم المقاومة.

وقد لوحظ انتشار مرض الجدري في مدينة الشارقة في شهر ديسمبر لعام 1935م، وفي جميع المناطق الواقعة بين رأس الخيمة ودبي، فتأثرت به تلك المناطق جميعها، وجرى تسجيل نحو 755 حالة مرضية، وبلغ عدد الوفيات 90 حالة وفاة، وما إن وصل الخبر إلى سلطة مطار الشارقة حتى قام المسؤولون بالكتابة إلى وزارة الداخلية والصحة المدنية في بغداد، لإعلامهم بانتشار مرض الجدري في الشارقة، وعلى إثر ذلك كتب نائب مدير الصحة المدنية في بغداد الدكتور باريت هغز، بتاريخ 6 يناير 1936م رسالة إلى مكتب الهيئة الدولية للصحة العامة بباريس حول انتشار مرض الجدري في الشارقة، جاء فيها: 

"ظهور 755 حالة مرضية بالجدري، في 6 من المدن الصغيرة، ومن ضمنها مدينة الشارقة، سجلت نحو 100 حالة مرضية، و18 حالة وفاة، وقد تلقينا معلوماتنا أساساً من الضابط الطبي قائد سلاح الجو الملكي في العراق، حيث اتصل بي في تاريخ 30 ديسمبر 1935م مشيراً إلى أن انتشار المرض قد عُرف في الشارقة".

وقد جرى على الفور إرسال مسؤول صحي، سارع بالمجيء من بغداد إلى الشارقة، ويشير تقرير شركة الخطوط الجوية الملكية بتاريخ 3 يناير 1936م إلى أن هيئة محطة الطيران والاستراحة في الشارقة بما فيهما من العمال المحليين وقوات الحرس قد جرى تطعيمهم جميعًا، ولم تسجل أية حالات مرضية في المحطة نفسها.

وجرى الحصول على هذا اللقاح من كراتشي، ومن ثم أعطي التطعيم لنحو 600 شخص في الشارقة، وبدأ مرض الجدري يختفي من مدن الساحل ومن مدينة الشارقة شيئًا فشيئًا، حيث شوهدت السفينة الحربية البريطانية "Fowey" بتاريخ 12 مارس 1936م تزور الشارقة، وقد قام الشيخ سلطان بن صقر القاسمي حاكم الشارقة بزيارة السفينة الحربية، وقام القائد برد الزيارة للشيخ، حيث قدمت له الضيافة العربية، ليتبين من ذلك أن مدينة الشارقة أصبحت خالية من مرض الجدري، وليسدل الستار على واحدة من المحن الصعبة التي واجهت أهل الشارقة من أوبئة وأمراض كادت تودي بحياة كثيرين منهم.
December 27, 2021 / 11:56 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.