مدرجُ خورفكان، مقابل الكورنيش الجميل، مبنى يكمل كل ألوان الجمال البصري والهندسة المعمارية، معطرٌ بأجمل عطور التاريخ الناصع البياض، ويقفُ شامخٌ ينظر بثبات وفخر إلى أهل المكان، في ذات الموقع القديم الذي سطر فيه الأجدادُ ملحمةً حفظها التاريخ، ومجداً يفتخر به أبناء اليوم وبناته، ويحتفون به احتفاءً لا حدود له، ويجعلون منه رمزاً للمعرفة والفنون والسياحة والتنمية، والجمال، والارتباط الأبدي بالتراث والأصالة والعراقة، ليكونوا امتداد لأجيال سطرت اسمها في التاريخ ولم تُنسى، فإن من أنجبَ وربىّ تربية حكيمة وأصيلة لا ينتهي أثره، بل يكون مفخرةً للقادمين الجدد في رحلة الحياة التي تستمر في طريق المجد.
إن ما جاء به إنشاءُ مدرج خورفكان من أهدافٍ وأسباب لإقامته، يقفز في الحقيقة إلى أكثر مما وُضع له، فاختيار موقعه، وجمال هندسته، يمثلُ ربطاً للماضي بالحاضر، ويقيمُ جسراً ممتلئ بالمشاعر الجياّشة، ويقرّب من معاني التاريخ التي يدرسها الأبناء، ويعرفها الأجداد، وفي ذلك درسٌ عمليٌ علميٌ في حب الوطن والتاريخ، وامتداد العطاءُ الجميل، وعلى عكس الكثير من تجارب الاحتفاء بالتراث في المتاحف فقط، ليعيش الأبناء والأحفاد حكاياتُ البطولات والأمجاد في ذات المكان، فيترسخُ إحساس الفخر، وتتأهبُ النفوس لحضارةٍ ممتدة قادمة، يكون لهم فيها نصيب الأسد، وهم يتأملون كل ما حملته لهم أفكار وبرامج الوالد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وما يود أن يقيموا عليه كل أرفع معارفهم وعلمهم انطلاقاً من النقاط المضيئة لتاريخ مجتمعهم الضارب في القدم، والباعثُ على الفخر والاعتزاز.
ما لمسناه من الحضور الكبير، الذي ملأ صفوف المدرج على مدى أيام متتالية، يذهبُ مباشرةً إلى صدق الفكرة الرئيسة لمدرج خورفكان، كمعلمٍ ثقافيٍ فنيٍ له خصوصيته، وأوراق اعتماده التي شرفها بالتوقيع الأحداثُ الكبرى التي عاشتها المنطقة، وروتها حكاياتُ التاريخ والجغرافيا، وفخِرَ بها العلماءُ والدارسون وأبناء المجتمع ممن يعيشون في فضاءٍ ثقافيٍ متكامل، عبرت عنه الرؤى الثاقبة لقائد النهضة العلمية والمعرفية والتنموية، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، لنرى تواصل الماضي والحاضر وهما يشيران للمستقبل الذي تتشكل ملامحه من استيعاب التراث والاقتداء به، وإن اختلفت المناهج العلمية، ومعها، تكفي وحدة الهدف، وهو الوطن الحبيب والغالي.