جار التحميل...
وتجسّد هذه الجهود رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لبناء منظومة متكاملة لحفظ وصون التراث، من خلال مؤسسات تعمل بتكامل لتحقيق هذا الهدف النبيل.
وفي هذا الإطار تأسس معهد الشارقة للتراث بموجب المرسوم الأميري رقم 70 لسنة 2014؛ ليكون مؤسسة ثقافية علمية تحت رعاية اليونسكو؛ إذ يساهم المعهد في حفظ التراث من خلال تطوير قاعدة بيانات محدثة، وتوثيق العناصر التراثية لدى الجهات المعنية، واعتماد آليات محددة لضمان انتقاله بين الأجيال، إلى جانب تنفيذ مسوحات ميدانية شاملة لحصر التراث المادي وغير المادي وتوثيقهما بالتعاون مع الجهات المختصة.
كما أُنشِئت هيئة الشارقة للآثار بموجب المرسوم الأميري رقم 57 لسنة 2016، بهدف إبراز تاريخ الإمارة، والحفاظ على مكتشفاتها الأثرية، وتقوم حالياً بدور محوري في توثيق المواقع الأثرية رقمياً بدقة عالية.
فيما يأتي استعراض للتقنيات والأنظمة المتطورة التي تستخدمها مؤسسات إمارة الشارقة في توثيق التراث رقمياً، وتحويله إلى ذاكرة حيّة تخدم الأجيال المقبلة من خلال حلول تقنية رائدة:
في إطار تعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة في حفظ التراث الثقافي، أطلقت هيئة الشارقة للآثار خلال مشاركتها في معرض جيتكس العالمي 2024 ضمن منصة حكومة الشارقة تحت شعار "نحو مستقبل رقمي مستدام"، نظام "المعلومات الجغرافية الأثرية" المتطور، والذي يوظف تقنيات الأقمار الصناعية، وأجهزة الليزر المتقدمة، والطائرات دون طيار لرصد المعالم الأثرية وتوثيقها بدقة استثنائية.
ويتيح هذا النظام الرقمي المبتكر بناء قاعدة بيانات شاملة ثلاثية الأبعاد لكل معلم أثري، كما يوفر للمختصين أدوات فعالة للمراقبة الدورية الدورية، وحماية المواقع من التعديات، والأضرار الناتجة عن العوامل البشرية والطبيعية.
ضمن جهودها لحفظ التراث وتوثيقه رقمياً، أطلقت هيئة الشارقة للآثار بالتعاون مع فريق أميركي متخصص مشروعاً شاملاً للأرشفة الرقمية يستهدف كافة المعالم التراثية في الإمارة.
وقد تبنى المشروع منهجية علمية متطورة، وتقنيات تصوير عالمية لإنتاج نماذج افتراضية عالية الدقة، بما يتيح توثيقاً ثلاثي الأبعاد يعكس تفاصيل المواقع بدقة متناهية، كما شمل نطاقه الجغرافي مناطق حيوية عدة في الإمارة مثل كلباء، ودبا، وخورفكان، والمنطقة الوسطى، ومليحة، إضافة إلى موقع جبل البحيص، والثقيبة، مما ساهم في إنشاء أرشيف رقمي شامل يحفظ هوية المكان ويوثق تفاصيله الحضارية للمستقبل.
عمل معهد الشارقة للتراث بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية على تطوير بوابة إلكترونية متقدمة لمكنز التراث الثقافي غير المادي في العالم العربي؛ لتمثل هذه المنصة الرقمية خطوة مهمة في توثيق التراث الثقافي وحفظه.
وتستند هذه المنصة الرقمية الشاملة إلى قوالب تقنية متقدمة، وآليات تصنيف دقيقة تتوافق مع المعايير العالمية، وتتيح بناء قاعدة بيانات متكاملة تخدم الباحثين الأكاديميين والمختصين في مجال التراث، كما تضمن واجهة التصفح السلسة والميسرة وصولاً مثالياً للمحتوى المنظم والدقيق لحفظ التراث الثقافي ونشره.
أطلقت هيئة الشارقة للآثار "مركز علم الآثار في عالم الميتافيرس" كأول منصة رقمية من نوعها عالمياً في مجال التراث الثقافي؛ إذ يدمج بين التقنيات المتطورة والمحتوى التعليمي الثري لتقديم تجربة غامرة تحاكي الواقع بدقة متناهية.
ويوفر المركز للمستخدمين إمكانية التفاعل المباشر مع المواقع الأثرية الحيوية من النقوش الصخرية في خورفكان وكلباء، إلى عمليات التنقيب في مقبرة الجمال، وترميم الكنوز التاريخية في مليحة، بينما يقدم تعليقاً صوتياً تفصيلياً باللغتين العربية والإنجليزية يشرح المعالم والاكتشافات بوضوح، مما يعزز مكانة إمارة الشارقة بكونها مركزاً عالمياً للابتكار في حفظ التراث ونشره.
تبنّت هيئة الشارقة للآثار نهجاً علمياً متقدماً في توثيق الفنون الصخرية، من خلال تنظيم برنامج تدريبي متخصص بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، وقد ركّز البرنامج على تطوير قدرات الكوادر المحلية في استخدام تقنيات توثيق رقمية للفن الصخري، مما يعكس التزام إمارة الشارقة بتطبيق أحدث الأساليب في هذا المجال.
وقد شملت الجهود توثيق مئات النقوش الصخرية المنتشرة في مواقع بارزة مثل؛ صخور الجابر، وخطم الملاحة في كلباء، ومواقع المديفي، واللؤلؤية، ووادي شي في خورفكان، وتُعدّ هذه النقوش من أقدم الشواهد المكتشفة في جبال الحجر منذ أوائل القرن العشرين، ما يمنحها قيمة استثنائية في تاريخ المنطقة. وتُسهم هذه المبادرات في ضمان صون هذا الإرث النادر، وإتاحته للأجيال القادمة عبر أدوات وتقنيات رقمية متقدمة تسهّل الدراسة والوصول والتفاعل مع هذا التراث الإنساني العريق.
وفي الختام، تُعد تجربة إمارة الشارقة في التوثيق الرقمي للتراث نموذجاً يُحتذى به عالمياً، إذ تُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُسهم في بناء جسور حضارية تربط بين الماضي والحاضر، وتُؤكد أن الاستثمار في التراث استثمار في المستقبل.
المراجع
[1] sih.shj.ae, عن المعهد
[2] saa.shj.ae, تصوير رقمي ومحاكاة
[3] sharjah24.ae, معهد الشارقة للتراث يعرّف ببوابة "مكنز التراث الثقافي غير المادي"