جار التحميل...
فيما يأتي استعراض لأبرز ملامح برج العدواني التاريخي وقصته الممتدة منذ قرون عديدة:
يعود تاريخ تأسيس برج العدواني إلى عهد بعيد؛ إذ شُيد لأول مرة في شهر ذي القعدة عام 1032 هجرياً، الموافق فبراير عام 1623 ميلادياً، على يد الشيخ كايد بن حمود العدواني القاسمي، جد الأسرة القاسمية الحاكمة في الإمارات، وقد حمل البرج اسمه تخليداً لذكراه، وقد تزامن بناؤه مع فترة الغزو البرتغالي للمنطقة، ليكون شاهداً على صمود الأهالي ومقاومتهم للمحتلين الطامعين.
شهد البرج ملحمة بطولية تجلت في تصدي أهالي خورفكان لأسطول برتغالي مكون من ست سفن حربية، في معركة استمرت يومين متواصلين، وفيها واجه السكان المحليون بأسلحتهم البسيطة آلة الحرب البرتغالية المتطورة، رافضين الخضوع لأطماع المستعمرين الساعين للسيطرة على طرق التجارة البحرية، وانتهت المعركة بانسحاب الغزاة، مسجلة صفحة مشرقة في سجل المقاومة الوطنية الإماراتية.
تميّز البرج بموضعه الفريد فوق قمة جبلية تطل على مدخل ميناء خورفكان التاريخي في الجهة الشرقية من المدينة، وقد أدى هذا الموقع المرتفع دوراً محورياً في مراقبة حركة السفن القادمة إلى الميناء، كما مثّل منارة بحرية ترشد السفن التجارية والحربية، مما عزز من أهميته الاستراتيجية والاقتصادية للمنطقة على مر العصور.
استمر برج العدواني قائماً وشاهداً على أحداث المنطقة وتطوراتها حتى عام 1985، ثم جرت إزالته مع الجبل الذي كان يرتفع فوقه، وذلك ضمن مشروعات التوسعة في ميناء خورفكان، وبهذه الخطوة فقدت المدينة أحد رموزها التاريخية البارزة ومعلماً طبيعياً مميّزاً كان يشكل جزءاً أصيلاً من هويتها البصرية والثقافية لفترات زمنية طويلة.
وانطلاقًا من حرصه الدائم على صون التراث وتعزيز المعالم التاريخية في إمارة الشارقة، وجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في عام 2018 بإعادة بناء الجبل والبرج بما يحاكي شكلهما الأصلي، وتُعد هذه المبادرة الثقافية محطة جديدة في مسيرة سموه الحافلة بحماية الهوية المعمارية والتراثية للإمارة، وتجسيدًا لرؤيته العميقة في الحفاظ على الإرث الحضاري ونقله للأجيال القادمة.
يتميّز برج العدواني بتصميم استثنائي يختلف عن سائر الأبراج في الإمارات والمنطقة الخليجية، ويشبه في شكله العمود أو المسلة لطبيعة بنائه الطولي مع عرضه المحدود، وهذا أدى لاشتهاره أيضاً باسم المنارة، ويتكون البرج من هيكل دائري في جزئه العلوي، أمَّا قاعدته فهي دائرية وأكثر اتّساعاً، وتحتوي على مساحة داخلية منخفضة عن مستوى الأرض بحوالي مترين.
يعكس البرج مهارة البنّائين في العصور القديمة، فقد امتاز بأسلوب إنشائي متفرد يختلف عن بقية الأبراج المنتشرة في المنطقة، إذ جرى الاستغناء عن المواد الخشبية التقليدية المستخدمة في تشييد الأسقف، واستبدالها بقبة من الحجر المتين، وقد ساهم هذا الخيار الهندسي في تقوية بنية البرج وإطالة عمره، مما مكّنه من الصمود لفترات زمنية طويلة في مواجهة الظروف البيئية والمناخية الشديدة.
مَثّل مشروع إعادة بناء البرج تحدياً هندسياً كبيراً؛ فقد بدأ بمرحلة دراسة تفصيلية للصور والمخططات التاريخية لتحديد موقعه الأصلي بدقة، ثمَّ جاءت المرحلة الأكثر إثارة والمتمثلة في إعادة تشكيل المرتفع الجبلي بكل تضاريسه الطبيعية، حيثُ عمل المهندسون على محاكاة المسالك المائية والشعاب الصخرية، وبعدها أُعيد بناء البرج على قمة الجبل بأبعاده الأصلية وتفاصيله الدقيقة، وقد جسدوا في ذلك ملحمة إبداعية في استعادة التراث.
حرص القائمون على المشروع على تعزيز تجربة زيارة البرج، فصمموا مساراً مبلطاً يتيح للزائرين ارتقاء المرتفع الجبلي سيراً على الأقدام أو باستخدام المركبات الصغيرة، كما راعوا احتياجات مختلف الشرائح العمرية والأشخاص ذوي الإعاقة، ليتمكن الجميع من الاستمتاع بجمال المكان وروعة الإطلالة على البحر والميناء، وليختبروا تجربة تفاعلية فريدة تجمع بين الماضي والحاضر.
وفي الختام، يعد برج العدواني في إمارة الشارقة اليوم أيقونة معمارية فريدة تمزج عراقة الماضي بروعة الحاضر، ومتوجاً للمشهد السياحي في خورفكان، وناقلاً قصة صمود ومجد للأجيال المتعاقبة، ومجسداً حكمة القيادة في الحفاظ على الهوية الوطنية عبر إحياء الرموز التراثية الخالدة.
المراجع
[1] sgmb.ae, "سرد المكان" يستعيد تاريخ صمود خورفكان في وجه الاستعمار
[2] sharjah24.ae, أين تقع خورفكان في الشارقة؟ وما أهم معالمها؟
[3] khormun.gov.ae, معالم من مدينتي
[4] khormun.gov.ae, ميدان خورفكان