جار التحميل...

°C,

نصيحة ببعير

January 23, 2023 / 10:26 AM
يُحكى أن رجلاً ضاقت به سبل العيش، فقرر أن يسافر بحثاً عن الرزق، فترك بيته وأهله وسار بعيداً، وقادته الخطى إلى بيت أحد التجار الذي رحب به وأكرم وفادته، ولما عرف حاجته عرض عليه أن يعمل عنده، فوافق الرجل على الفور، وعمل عند التاجر يرعى الإبل.
وبعد عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته ورؤية أهله وأبنائه، فأخبر التاجر عن رغبته في العودة إلى بلده، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته، فكافأه وأعطاه بعضاً من الإبل والماشية.

سار الرجل عائداً إلى أهله، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة، رأي شيخاً جالساً على قارعة الطريق، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يفعل لوحده في هذا المكان الخالي في حر الشمس، فقال له: أنا أعمل في التجارة.

فعجب الرجل وقال له: وما هي تجارتك؟ فقال له الشيخ: أنا أبيع نصائح، فقال الرجل: وبكم النصيحة؟ فقال الشيخ: كل نصيحة ببعير. 

فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ، الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة، فقال له: هات لي نصيحة.

فقال الشيخ: "إذا طلع سهيل لا تأمن للسيل".

قال في نفسه: ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة، وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الحر، وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ: هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر.

فقال له الشيخ: "لا تأمن لأبو عيون بُرْق وأسنان فُرْق".

فتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة، فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً ثالثاً،فقال له: "نام على النَّدَم ولا تنام على الدم".

ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها،فترك الرجل ذلك الشيخ وأعطاه الجمال الثلاثة، وساق ما بقي معه من إبل وماشية وسار في طريقه عائداً إلى أهله، وبعد عدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدة الحر.

وفي يوم من الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم نصبوا خيامهم في قاع واد كبير، فتعشى عند أحدهم وبات عنده، وبينما كان يتأمل النجوم شاهد نجم سهيل، فتذكر النصيحة التي قالها له الشيخ فقام سريعاً وأيقظ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي، ولكن المضيف لم يكترث له، فقال الرجل: والله لقد اشتريت النصيحة ببعير ولن أنام في قاع هذا الوادي. 

فقرر أن يبيت في مكان مرتفع، فأخذ إبله وماشيته وصعد إلى مكان مرتفع بجانب الوادي، وفي آخر الليل هطل المطر بشدة وجاء السيل يهدر كالرعد، فهدم البيوت وشرد القوم.

وفي الصباح سار عائداً نحو أهله، وبعد يومين وصل إلى بيت في الصحراء، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة، وأخذ يزيد في الترحيب به والتودد إليه حتى أوجس منه خيفة، فنظر إليه فوجده "ذا عيون بُرْق وأسنان فُرْق" ، فقال: آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء.

وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من إبله وأغنامه، وأخذ فراشه وجره في ناحية، ووضع حجارة تحت اللحاف، وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه، وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله ثم هوى عليه بسيفه بضربة شديدة، ولكن الضيف كان يقف وراءه، فقال له: لقد اشتريت النصيحة ببعير، ثم ضربه بسيفه فقتله، وساق إبله وماشيته وقفل عائداً نحو أهله.

وبعد مسيرة عدة أيام وصل ليلاً إلى منطقة أهله، وسار ناحية بيته ودخله فوجد زوجته نائمة وبجانبها رجل، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوي به على رؤوس الاثنين. 

وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول "نام على الندم ولا تنام على الدم"، فهدأ وتركهما على حالهما، وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه ونام عندها حتى الصباح.

وبعد شروق الشمس ساق إبله وأغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به، واستقبله أقاربه. 

وقالوا له: لقد تركتنا فترة طويلة، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً، ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته، فحمد الله على أن هداه إلى عدم قتلهما، وقال في نفسه: حقاً.. كل نصيحة أحسن من بعير.

قد نتأفف ونتضايق أحياناً حين تُوجه لنا النصائح يا أحبة رغم أنها مجانية وتكون عصارة فكر، وخبرة سنوات لصاحبها مع تقدم سنه فلا تتمكن من أنفسنا لأن عقولنا مبرمجة على أن لا أحد يدري بحالنا أكثر منا، رغم أن الدين نصيحة ولا ينصحك إلاّ من يُحبك.

 فاسمعوا وعووا قبل أن تشتروها وتثقل عليكم.
January 23, 2023 / 10:26 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.