من المعلوم أهمية علم الوقف والابتداء في إبراز المعاني الصحيحة وعدم خلط الألفاظ القرآنية، وقد نبه جمهور القراء والعلماء على أهميته لحامل القرآن الكريم، يقول الله جلَّ وعلا: ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)) [القمر: 17]؛ والتكلف ينافي التيسير.

ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة والتابعين في تلاوتهم كتاب الله إلا ما يُؤكد التيسير وتجنب التكلف.

واليوم يستحسنُ بعضُ القرَّاءِ تلاوةً مُحْدَثة، انحرفت عن الصَّدر الأول، زاعمين أنها من باب الاستحسان؛ والاستحسان سبيل الابتداع - كما ذكر ابن تيمية رحمه الله- ومن صور ذلك:

أولًا: تكرار قراءة الآية أو كلمة أو جملة في صلاة الفريضة الجهرية؛ بحجة بيان المعنى، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ولا عن أحد من الأئمَّة الأربعة ولا عمَّن سبقهم أو لحقهم من فقهاء الأمَّة، التعبد والتقرب إلى الله بهذا التكلف ولا الأمر به ولا تعليمه ولا إقراره؛ ففي الترديد إثقال على المأمومين وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الإمامَ بالتخفيف.

ثانيًا: وصل آية بآية قبلها أو بعدها، فصلهما الله في كتابه وفصلهما النبي في تلاوته، فلم يرد عنه صلى الله عليه وسلم وصل آية بآية، بل ورد عنه أنه كان يقف على رأس كل آية. والله تعالى هو الذي فصل بين الآيات، ورسوله صلى الله عليه وسلم المبلغ عنه والمبين للتنزيل هو الذي سنَّ التلاوة بالفصل بين الآيات واتبعه على هذه السنة الصَّحابةُ والتابعون وفقهاء الأمَّة.

ثالثًا: تخصيص القراءة الجهرية بالتمطيط والتكرار، فإذا أسروا بالقراءة هذّوها بحيث لا يتمكن المأموم من اتمام قراءة الفاتحة خلف إمامه، وقد أمر الله بالترتيل – الترسل والتمهل- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يترسل ويتمهل في التلاوة مطلقًا.

رابعًا: التزام الوقف على حرف الاستثناء (إلَّا) ولو كان الاستثناء منقطعًا، والتزام الوقف على حرف النَّفي (كلا) ولو كان في بداية آية أخرى فيصل الآيتين لهذا الغرض في مثل قوله جلَّ وعلا: ((وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا))[المعارج: 14].

والتكلف أو الابتداع في هذا الباب يصعب حصره بعد أن سهل على المُحْدثين القول على الله جلَّ وعلا بغير علم ولا فقه في كتاب الله وشرعه.