كثيرة هي النصوص التي بيّنت قيمة الكتاب وأهميته وضرورته للفرد والمجتمع، وكثر هم الكٌتّاب الذين توقفوا عند الكتاب بوصفه خازن المعرفة وحاملها والباب الذي ما أن يفتحه المرء حتى يتجاوز الأزمنة والأمكنة ويطل على ما يهوى من صنوف العلم والمعرفة والأدب، لهذا يبدو من الصعب تقديم إضافة لأهمية الكتاب خاصة ونحن اليوم نحتفي بيومه العالمي.
من هنا يبدو التساؤل عن أهمية الكتاب أمراً محسوماً، لكن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا أفراداً ومؤسسات: ماذا نريد نحن من الكتاب؟ هل نعرف ما نتطلع إليه من وراء الاستثمار في المعرفة، ونضع خططاً ليحقق الكتاب أهدافنا؟ وإلى أي حد يعد أثر الكتاب فاعلاً في مستقبل المجتمعات والبلدان وحتى الإنسانية جمعاء؟
والإجابة على هذه الأسئلة يتطلب منا الوعي بحجم المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، ومعنى المستقبل في مسيرة العالم، إذ علينا الاعتراف أن الخمسين عاماً المقبلة لم تعد تعني المستقبل، بل باتت تعد الغد بالمعنى الزمني القريب للمفردة، وهو ما يتطلب إعداداً مسبقاً وكافياً لجني ثمار هذه السنوات؛ فمن لم يعد الخطط والاستراتيجيات ويعمل بها فإنه سيكون خارج سباق الأمم والحضارات.
وهنالك قضايا أولوية تواجه البشرية تاريخياً، وبعضها تواجههم اليوم، ومن الضروري أن نفعّل دور الكتاب في مواجهتها وتجاوزها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قضايا التغير المناخي، ومستقبل الطاقة، وتحوّل أشكال العلاقات الإنسانية في عصر المادة وتسيّد الآلة.
والكتاب في كل هذه القضايا لاعب مركزي وأساسي فاعل، فالمعاين لمجمل هذه التحديات يجد أن انخفاض مستوى التعليم والوعي أحد الأسباب الرئيسية لظهور هذه الإشكاليات، ويجد أن الاستثمار في صناعة مجتمعات قارئة مؤمنة بالكتاب يعد خطوة كبيرة وجوهرية في تجاوز أي من تلك التحديات، فالتغيير الذي يكبر مع القراء ويرسخ فيهم يتحوّل مع السنوات إلى ثقافة مجتمع بأكمله، ويتجاوز إطار التعاليم والقوانين ليصبح ممارسة حية عفوية نابعة من الفرد نفسه.
ليكون الأمر أكثر وضوحاً، إن الكتب القادرة على تغيير سلوك آلاف الأفراد في مجتمع ما تجاه ترشيد استهلاك الطاقة، تعين بلدان على توفير ملايين الدولارات سنوياً من ميزانيتها، والكتب التي تعزز في قرائها مفاهيم تقدير الذات واحترام الآخر وتقبل التنوع قد توقف صراعات محتملة، وكذلك الكتب التي تغرس قيم العطاء والمحبة والإنسانية والكتب التي ترفع طاقة الفرد الايجابية وتغني في روحه الشغف في العيش والحياة والعمل.
ومن هنا يمكن القول: إنه مثلما أثبت الكتاب أنه الابتكار الذي منح البشرية صيرورتها، وباتت مسيرة منجزاتها تراكمية، فإنه قادر على أن يضع هذه الصيرورة في مسار واعي ومدروس ومخطط له ينهض بالمجتمعات ويتخطى التحديات التي تواجهنا بتحويل الأفكار البناءة إلى ممارسة وفعل وهوية شعوب وحضارات، لكن قبل أن يتحقق ذلك: هل نعرف ما نريد من الكتاب؟ وهل نعمل على تحقيقه؟