إن كنتِ إحدى الأمهات اللاتي حظين بإرضاع أطفالهن رضاعةً طبيعيةً، فلا شك أنكِ تدركين أن لا شيء يعادل نظراتِ طفلكِ إلى عينيكِ وملامسته، خلال هذه التجربة الاستثنائية.
فالعلاقة الفريدة، التي تنميها الرضاعة الطبيعية بينكما، هي لغة ربانية خاصة بين الأم ورضيعها، تخلق تناغماً وتواصلاً جسدياً وعقلياً وروحياً بينكِ وبين طفلكِ.
وتتشكل أساسيات العائلة السعيدة السليمة، مع بداية هذه الرابطة المقدسة بين الأم وأطفالها، وعندها يزداد إحساس الطفل بالأمان، وبهذا نضمن مجتمعاتٍ آمنة.
وهنا تكمن الأهمية الكبرى، لتشجيع العمل الذي تقوم به مختلف الجمعيات المعنية بحقوق الأمومة والطفولة، مثل جمعية أصدقاء الرضاعة الطبيعية بالشارقة، والتي تبذل جهوداً جبّارة للمساهمة في تثقيف ودعم النساء خلال هذه الفترة الغالية على كل أم.
وتنسجم تلك الجهود تماماً، مع رسالة وأهداف الأسبوع الوطني للرضاعة الطبيعية في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يأتي امتداداً لدعوة أطلقتها منظمة الصحة العالمية هذا العام، لاعتبار الرضاعة الطبيعية مسؤولية مشتركة على كافة المستويات.
نتفق جميعاً على أن الرضاعة الطبيعية ضرورية لصحة الأطفال وعافيتهم في بداية حياتهم، وعلى امتداد رحلة نموهم، وهي مفيدة بالقدر نفسه للأمهات، حيث أظهرت العديد من الدراسات أن الرضاعة الطبيعية تقلل من خطر الإصابة بالسمنة، ومرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وحتى بعض أنواع السرطانات، وهذا دليل آخر قوي يبرهن أهمية العمل على تثقيف وترويج الرضاعة الطبيعية لما لها من فوائد، وعلينا بذل قصارى جهدنا لدعم الأمهات خلال هذه المرحلة المهمة.
رسخت الرضاعة الطبيعية مكانتها الفريدة على مدار قرون طويلة من الزمن، إلى أن برزت حديثاً بدائل مختلفة شكلت تهديداً لتلك المكانة، لا سيما بعد ابتكار تركيبات الحليب الصناعي للأطفال وما رافقها من دراسات مدعومةٍ من العديد من الأطراف المستفيدة لتعظيم فوائدها، إلى جانب الحملات الدعائية التي تستهدف الأمهات على وجه التحديد من خلال رسائل ذكية تحاول ربط استخدام الحليب الصناعي بتمكين المرأة وتحريرها، وهو ما يمثل تهديداً حقيقياً على صحة الأجيال الصاعدة في المستقبل.
إننا ندرك الآن، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة بناء نظام مناعة صحي، ونعرف الدور الحيوي لحليب الأم في تعزيز الصحة، فنحن نعيش اليوم تداعياتٍ غير مسبوقة لجائحةٍ لا تلوح في الأفق - حتى اليوم - أي دلائل على قُرب انتهائها، وهذا يعني أننا بحاجة إلى بذل كل ما نستطيع لتقوية أجسامنا.
ومع تأكيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، أنه من غير المرجح أن ينتقل فيروس كورونا إلى الأطفال، حتى في حالة إصابة الأم.
أليست هذه معجزة بحد ذاتها؟! وبالتالي فلا داعي للقلق بشأن إصابة طفلكِ بفيروس كورونا، إذا اتخذتِ بعض الاحتياطات اليسيرة، مثل غسل اليدين وارتداء الكمامة أثناء إرضاعه، وفي هذا إثبات أن الفوائد المرجوة تفوق إلى حدٍ كبير المخاطر البسيطة المحتملة.
وقد أشار متحدث باسم "اليونيسف" مؤخراً، إلى أن حليب الأم بمثابة أول لقاح يتلقاه الطفل، فهو "يحتوي على جميع العناصر الغذائية الأساسية، والأجسام المضادة، والهرمونات، ومضادات الأكسدة التي تساعد على تعزيز جهاز المناعة وتوفير الحماية ضد العديد من أنواع العدوى".
لكن رغم فوائدها العديدة للرضع والأم، لا تزال بعض النساء يواجهن العديد من العقبات التي تحول دون اعتمادهن على الرضاعة الطبيعية، وخاصةً حين تجد الأمهات أنهن يكافحن لإيجاد الوقت والمكان المناسبين لأداء هذا الواجب الفطري.
وعليه، فإنني أنادي بضرورة تخصيص مساحات مريحة وصحية لأمهات الأطفال الرضع في أماكن العمل ومراكز التسوق وغيرها، واعتبار ذلك أولوية قصوى، فليس ثمة ما يبرر معاناة الأمهات في سبيل البحث المرهق عن مكان لإرضاع أطفالهن أو ضخ الحليب من الثدي في مكان يشعرن فيه بالطمأنينة والخصوصية.
وفي الشارقة، نسعى بكل جدية لتكون الإمارة صديقة للطفل والعائلة، وقد وضعنا هذا الهدف على رأس أولوياتنا في مجال التنمية الإنسانية والبشرية التي تشكل إحدى ركائز استراتيجيتنا التنموية الشاملة، حيث نعمل منذ عام 2012 على توفير كافة التسهيلات التي تحتاجها النساء لإرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية في مراكز الرعاية الصحية والأماكن العامة مثل مقار العمل، والمتاحف، والمطاعم، والمتنزهات.
وقد ترافقت هذه المبادرة، مع حملة منظمة الصحة العالمية في هذا الصدد، كما أنها ملتزمة بدعم النساء قبل الولادة وبعدها، وأعطت الشارقة أيضاً أولوية لتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية، وحظرت الإعلان عن بدائل الحليب في مراكز الرعاية الصحية.
وتُوجت هذه الجهود بإعلان "اليونيسف"، الشارقة مدينة صديقة للأطفال الرضع رسمياً عام 2019، ونحن إذ نفخر بهذا التقدير العالمي، يسعدنا للغاية أن نعلن أن عدد النساء اللائي يرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية قد تضاعف ثلاث مرات في ستة أشهر خلال خمس سنوات، وهذا هو التأثير الحقيقي!
إنني فخورة بالعمل الذي نقوم به في الشارقة لدعم الرضاعة الطبيعية، وآمل أن نقدم مثالاً يُحتذى في هذا المجال محلياً وعالمياً، فنحن نعتقد أن "تربية طفل تتطلب تضافر جهود قرية كاملة" كما يقول المثل الإفريقي، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع من الأمهات تحمل كامل المسؤولية عن مستقبل أمتنا الصحي.
يجب علينا جميعاً، دعم النساء في السنوات الأولى من رحلة تربية الأطفال، لأن ذلك يصب في مصلحة المجتمع ككل، فرغم أن إنجاب الأطفال نعمةٌ تغمر كل امرأة بالرضا والسعادة، إلا أنها تعتبر كذلك فترة صعبة للغاية بالنسبة لهن، وتستلزم من الجميع، بما في ذلك الحكومات والقطاع الخاص، العمل على ضمان أن تكون الرضاعة الطبيعية تجربة سهلة وممتعة للأمهات.