جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,
مليئة بالغموض

القرية المدفونة: مدينة غارقة تحت الرمال

05 يناير 2025 / 7:36 PM
القرية المدفونة: مدينة غارقة تحت الرمال
download-img
تبرز إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج فريد يجمع بين الأصالة والمعاصرة والتاريخ العريق والثقافة الغنيّة؛ إذ تنتشر فيها الصُّروح التاريخية والثقافية والتعليمية التي تعكس مشهداً يجمع بين الحداثة والتمسُّك بالتقاليد الحيّة.

وهذا المزيج الفريد، جعل الشارقة منارةً للثقافة والفنون في المنطقة، وأسهم في رفد الاقتصاد الوطني بعدد من المواهب الشابّة في المجالات المختلفة، وفي إطار هذا الثراء الثقافي والتاريخي والحضاري، تبرز القرية المدفونة لتكون شاهداً فريداً على تاريخ المنطقة، وفيما يأتي بعض المعلومات عن هذه القرية الاستثنائية.

الغريفة: قصة قرية ابتلعتها الرمال

في إمارة الشارقة، وتحديداً على بُعد مسافة تبلغ كيلومترَين جنوب غرب منطقة المدام، تقع قرية فريدة عُرِفت قديماً باسم (الغريفة)، والتي كانت منذ عقود مضَت مفعمة بالحياة كبقيّة قُرى المنطقة الوُسطى للشارقة؛ إذ تميَّزت بتخطيطها الفريد؛ فمنازلها المتماثلة تصطفّ في صفَّين مُتوازيَين يُتوِّجهما مسجد في نهاية الطريق.

وقد كان لموقع القرية الجغرافي تأثير بالغ في مصيرها؛ فهي تقع في مسار الرياح الشرقية التي تهبّ عليها باستمرار دون توقُّف في فصل الصيف، كما أنّها مُحاطة أيضاً بتيّارات هوائية من الاتِّجاهات جميعها، وهذه الظروف المناخية الفريدة أدَّت إلى تراكم كمّيات هائلة من الرمال في أرجاء القرية، ممّا وضعها أمام تحدِّيات بيئية استثنائية.

وقد واجهَ أهالي هذه القرية الصغيرة تحدّياً كبيراً في أواخر التسعينات من القرن الماضي؛ فقد اضطرّوا إلى الرحيل عن ديارهم؛ نتيجة الظروف الطبيعية القاهرة، ممّا أدّى إلى تحوُّل القرية إلى بقعة تكسوها الرمال الصحراوية، ونتيجة هذه الظروف البيئية القاسية، اتَّخَذت الحكومة قراراً حكيماً قبل ما يزيد عن عقدَين من الزمان بتوفير مساكن بديلة لأهالي المنطقة؛ حفاظاً على سلامتهم وراحتهم.

من قرية مهجورة إلى كنز سياحي؛ رحلة الغريفة الاستثنائية

تحوَّلت الغريفة من قرية مهجورة إلى كنز سياحي في الشارقة يخطف الأنفاس؛ إذ تستقبل هذه البقعة الساحرة زُوّاراً من شتّى أنحاء العالم؛ ليشاهدوا منظراً فريداً يجمع بين سحر الماضي وغموض الطبيعة، فيجد عُشّاق المغامرة أنفسهم يستكشفون بيوتاً نصف مدفونة تروي حكايات الزمن الماضي.

في حين يكتشف مُصوِّرو المناظر الطبيعية تناغُماً ساحراً بين الرمال الذهبية وبقايا المباني التقليدية في لوحة فنّية مُتجدّدة مع كلّ شروق وغروب، ممّا يُتيح فرصاً لا تُضاهى لالتقاط صور استثنائية تجمع بين عبق الماضي وجمال الطبيعة الصحراوية، ممّا يعني أنّ القرية المدفونة تُتيح لزُوّارها تجربةً لا تُنسى، يتأمَّلون فيها صمود التراث المعماري أمام قوى الطبيعة، ويستشعرون عظمة الحضارة التي ازدهرت يوماً في هذه البقعة من الأرض، ممّا يجعل زيارة الغريفة رحلة عبر الزمن تُثري الروح، وتُغذّي الخيال.

حماية الإرث: توجيهات حاكم الشارقة لصون القرية المدفونة

إدراكاً للقيمة التاريخية والثقافية الفريدة التي تُمثِّلها القرية المدفونة، شرعت السُّلُطات المُختصَّة في إمارة الشارقة باتِّخاذ إجراءات ملموسة؛ لصَون هذا الإرث الثمين، وإعادة إحيائه، وفي خطوة بارزة نحو تحقيق هذا الهدف، صدرت في يوليو 2023 توجيهات مهمة من القيادة العُليا في الإمارة، تعكس التزام إمارة الشارقة بالحفاظ على تراثها الثقافي، وتعزيز هويتها الوطنية.

فقد أصدر صاحب السُّمُوّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتِّحاد، حاكم الشارقة، تعليماته الحكيمة إلى رئيس المجلس البلدي في المُدام، ومدير بلدية الشارقة، بضرورة التنسيق والتعاون المشترك؛ لتسريع جهود الحفاظ على القرية، وتطويرها؛ بهدف تهيئتها لاستقبال الزُّوّار والسيّاح على نحو يليق بأهمّيتها التاريخية، ممّا يضمن استمرارية هذا المَعلَم التراثي المهمّ للأجيال القادمة، ويسهم في تعزيز الوعي بقيمة التراث المحلّي، وأهمية الحفاظ عليه؛ فهو جزء أساسيّ من الهوية الوطنية والثقافية للإمارة، والدولة كلّها.

الغريفة في الذاكرة: مشروع توثيقي تشاركي

في إطار الجهود المبذولة لاستعادة تاريخ القرية، وتوثيقه للأجيال القادمة، أطلقت مؤسسة الشارقة للفنون مشروعاً بحثياً طموحاً يهدف إلى توثيق التاريخ العمراني والإنساني للقرية على نحو شامل ودقيق، وتعكس هذه المبادرة أهمية المشاركة المجتمعية في حفظ التراث؛ إذ دعت المؤسسةُ الجمهورَ في دولة الإمارات إلى الإسهام الفعّال في هذا المشروع الحيوي؛ بتقديم أيَّة موادّ مُتعلِّقة بتاريخ القرية.

ويشمل ذلك مجموعةً واسعةً من المصادر التاريخية، بما فيها الذكريات المكتوبة، أو المُسجَّلة، والصور الفوتوغرافية القديمة التي تعكس الحياة اليومية في القرية، والمُخطَّطات المعمارية التي تُوضِّح تصميم المباني التقليدية، والوثائق التاريخية التي تُلقي الضوء على أحداث مهمة في تاريخ الغريفة، ممّا يُسهم في بناء أرشيف شامل يحفظ ذاكرة المكان وقصص سُكّانه لأجيال المستقبل.

وختاماً، يمكن القول إنّ القرية المدفونة ليست مُجرَّد أطلال صامتة وسط الصحراء، بل هي شاهد حيّ على تاريخ المنطقة وتحدّياتها البيئية؛ فهي تروي قصّة صمود الإنسان في وجه الظروف الطبيعية القاسية، وكيف يمكن للمجتمعات أن تتكيَّف وتتغيَّر مع مرور الزمن، وبينما تواصل القرية جذب الزُّوّار بسِحرها الغامض وجمالها الأخّاذ، فهي ما تزال تذكيراً قوياً بأهمّية الحفاظ على التراث والتاريخ. 

المراجع

[1] visitsharjah.com, القرية المدفونة 
[2] worldscoolestwinter.ae, القرية المدفونة
[3] sharjah24.ae, حاكم الشارقة يوجه بالمحافظة على "القرية المدفونة" بالمدام
[4] sharjahart.org, دعوة لاستعادة تاريخ قرية الغريفة في الشارقة
[5] sharjahevents.ae, القرية المدفونة 

January 05, 2025 / 7:36 PM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.