اعتدنا عند الحديث عن مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب، أن نتطرق لما يتركه من أثار إيجابية على مهارات وقيم فئات عمرية محددة، لكن الحقيقة، أن هناك أثار إيجابية كبيرة وعظيمة لهذا المهرجان على ثقافة الكبار أنفسهم، ولا نبالغ إذا قلنا، إن تأثير المهرجان على وعي الكبار قد يفوق بكثير من حيث الأهمية غاياته الأساسية الأخرى، فالكبير الذي شغلته الحياة بتفاصيلها وهمومها بحاجة لأن يرى الحياة بعيون شابة وفتية.
ولا تتوقف أثار المهرجان عند هذا الحد، بل إنها تتيح لنا الفرصة لفهم الطفولة وأحلام الشباب وطموحاتهم التي يبنون عليها أفلامهم وأعمالهم الإبداعية، لأن العمل الإبداعي يقدم أكثر من هوية صانعه، فيكشف أعماق نفسه ومرتكزات تفكيره، كما يقدم من خلال الإبداع، فهمه وتوصيفه لأهم المصطلحات، مثل السعادة والنجاح والعلاقات الإنسانية، ودوره، ومكانته الاجتماعية، والوطنية.
ولعل الفائدة الأكبر من أعمال الأطفال والشباب الإبداعية، تعود بشكل خاص على الآباء والأمهات والمربين في المدارس والمدربين في الأندية والمؤسسات، فمن خلال الاطلاع على الإبداعات، لا نعود ننظر لجميع الأطفال كأنهم طفل واحد باحتياجات واحدة هي ذاتها مهما اختلفت البيئة والظروف والأحداث، ولا نعود ننظر للشباب بتوصيف ثقافي جامد لفئة عمرية حددنا مسبقاً صفاتها وسماتها واحتياجاتها، بل سنتمكن عبر قراءة العمل الفني وتحليله، من التعمق في أسرار نفوس الشباب والأطفال وفهم خصوصياتهم التي تحددها البيئة الثقافية والجغرافية والأحداث الراهنة، وهذا يشكل مدخلاً هاماً للتربية والتعليم وبناء الخطط الوطنية الاستراتيجية الخاصة لجيل المستقبل.
هذه القراءة لمهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب، تستحضر في ذهني الكثير من الأفلام التي صنعها الصغار واليافعين وقدموا من خلالها نظرة أصيلة وبسيطة وهامة في الوقت ذاته لعلاقتنا بالبيئة والطبيعة والكائنات الحية الأخرى، وقدموا بالإبداع البسيط والمباشر نظرتهم للتعاون ومساعدة الآخرين واحترام المختلف، وعبروا عن مخاوفهم وقلقهم تجاه الأضرار التي تلحق بالكوكب أو تجاه ما تسببه الحروب من مآسي وتشريد، وفي الحقيقة، لنكتشف بكل بساطة أن هذه هي المشاغل والمخاوف والطموحات المشتركة بين جميع الفئات العمرية.
بهذا التحليل، فإن المهرجان، يتجاوز كونه مجرد نافذة يطل منها شبابنا وأطفالنا على أسرار صناعة الفنون البشرية، أو مجرد منصة لتعميم القيم والأخلاق النبيلة، ليصبح مساحة لتعزيز الروابط بين الأجيال من خلال فهم كل منهما للآخر، وفرصةً لنفهم ثقافة جيل جديد تختلف عن ثقافتنا عندما كنا في نفس أعمارهم.
لقد قلب المهرجان الأدوار القديمة التقليدية بأن الكبار يعلمون الصغار، ووجه رسالة لكل طفل وشاب بأننا من خلال إبداعكم نتعلم منكم ونتعلم عنكم أيضاً.