الشارقة 24:
استهل اليوم الثالث من فعاليات الدورة الثانية عشرة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، بمقر جمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، الذي يهدف إلى رعاية وصقل هواة المسرح من مختلف الأعمار، أمس الأحد، بـالملتقى الفكري، الذي جاء تحت عنوان: "دور المسرحيات القصيرة في تطوير المهارات الإخراجية"، وحضره أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة مدير المهرجان.
في الجلسة الأولى من الملتقى، التي أدارها عادل مديح من المغرب، تحدث أولاً الدكتور ريان القاضي من تونس، وجاءت مداخلته بعنوان: "المسرحيات القصيرة: الإخراج بالحد الأدنى والتأثير بالحد الأقصى"، وقد اتخذ تجربة الكاتب والمخرج الإيطالي داريو فو نموذجاً تطبيقياً لمداخلته.
وذكر القاضي أن داريو فو، الحائز جائزة نوبل، استخدم المسرح القصير منصةً للنقد الاجتماعي اللاذع، وتبنى فلسفة "الإخراج بالحد الأدنى"، معتمداً على طاقة الممثل والتقنيات الشعبية بدلاً من الحلول التقنية التقليدية. وقال المتحدث إن هدف فو من هذا التكثيف "هو تحويل الكوميديا والسخرية إلى سلاح مقاومة يكسر الإيهام المسرحي، ويحفز الجمهور على الوعي النقدي، ليُحقق التأثير بالحد الأقصى"، برغم بساطة العرض وإيجازه.
وبيّن الباحث التونسي أن داريو يعد القوة الحقيقية للعرض المسرحي تكمن في الممثل نفسه وفي العلاقة التفاعلية بين الخشبة والجمهور. وبحسب المتحدث، فإن هذه البساطة مكّنت عروض فو ذات الإمكانات المحدودة من أن تتحول إلى مساحات لإثارة الصدمة والضحك والتفكير في آن واحد.
جاءت المداخلة الثانية بعنوان: "كيف تصقل المسرحيات القصيرة قدرات المخرج"، وقدمها الباحث المغربي ياسين الهواري، الذي اتخذ تجربة الكاتب صموئيل بيكت نموذجاً. وأشار الهواري إلى أن نصوص الكاتب الإيرلندي القصيرة تُعدّ مختبراً لتكوين المخرجين، حيث تتطلب فهماً عميقاً للغة الرمزية والإيقاع الحركي والتوتر النفسي، وتفرض تحديات دقيقة في إدارة الوقت والعناصر الركحية، وهذا يدفع المخرج لابتكار رؤيته الفنية الخاصة في تحويل الحد الأدنى من العناصر المدونة في النص إلى تجربة حسية متكاملة تُشبع العين والأذن، مما يؤكد مقولة أن "الأقل هو الأكثر".
وفي هذا الإطار، أشار الهواري إلى أن تجربة المعهد المسرحي المغربي في مشاريع التخرج القصيرة تؤكد القيمة التكوينية لهذا الشكل المسرحي، داعياً إلى دعم استمراريته في المشهد الثقافي المغربي.
في الجلسة الثانية من الملتقى، التي تناولت تحديات إخراج المسرحيات القصيرة، وأدارها كمالي هلالي من تونس، جاءت المداخلة الأولى بعنوان: "الزمن في المسرحيات القصيرة: جدلية القيد وممكنات الإبداع"، وقدمها الدكتور أشرف الرابحي من تونس. وذكر الرابحي أن التحدي الجوهري الذي يواجه مخرجي المسرحيات القصيرة يتمثل في الموازنة بين قيد الزمن الضيق وفرص الإبداع التي يتيحها هذا القيد. وأكد المتحدث أن المسرحية القصيرة تمثل تحولاً من "التزمين الأرسطي" الطويل إلى "الزمن الدراماتيكي المحدود". وأوضح أن الزمن الفعلي للعرض يتحول إلى "قيد صارم"، ولكنه يتيح فرصاً للتجلي الإبداعي "إذ يتطلب مهارة عالية في تركيب الرموز واختصار الحوار، ويحفز المخرج لابتكار حلول دقيقة في بناء الإيقاع وتشكيل المعنى".
وجاءت المداخلة الأخيرة في الملتقى بعنوان: "دور المخرج في تشكيل الزمن الفكري في العروض المسرحية القصيرة"، وقدمها المخرج والكاتب مخلد راسم من العراق. وكانت مداخلته عبارة عن شهادة حول تجربته في صناعة عروض مسرحية قصيرة هدفها إثارة المتلقي لاتخاذ زمن العمل المسرحي الذي يشاهده؛ قناةً للتعرف إلى زمنه الفكري الخاص. وأشار راسم في هذا السياق إلى عرض قصير قدمه لسنوات عدة في أوروبا تحت عنوان "انتظار"، وهو مكون من شهادات لفئات مختلفة من الناس حول مفهوم "الانتظار". وخلص في ضوء تلك التجربة إلى أن لكل متلق طريقته في التفاعل مع العمل الفني، لأنه مشروط بالزمن الفكري الذي تستثيره مشاهدته للعرض.
في الفترة المسائية، شهد الجمهور عرضين مسرحيين قصيرين، جاء الأول بعنوان "ميدان عقاب"، وهو مقتبس من نص "مستوطنة العقاب" لفرانز كافكا، وأخرجه هاكوب عيد. وهو عبارة عن رحلة بصرية في ذاكرة شخص مصاب بالهذيان. وقد ثمنت الندوة النقدية التي تلت العرض، وأدارها الفنان المصري محمد كويلة، جهود المخرج وفريق عرضه.
أما العرض الثاني، فجاء تحت عنوان "المستشفى" للكاتب بيتر نازاريث، وأخرجته أمل حسن. وهو عبارة عن مقاربة لحالة شخص سقيم تطارده ذكرياته العاطفية. وفي الندوة النقدية التي أدارتها الفنانة التونسية سناء كرشود، تباينت المداخلات، فثمة من أثنى على ثراء المعالجة الإخراجية وتعدد أدواتها، وهناك من أخذ على المخرجة إفراطها في توظيف الوسائل والتقنيات التعبيرية.