جار التحميل...
الشارقة 24:
أسدل مهرجان مراكش للشعر المغربي الستار على فعاليات الدورة السابعة، التي أقيمت برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والعاهل المغربي الملك محمد السادس، ونظّمته دائرة الثقافة في الشارقة بالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، على مدى ثلاثة أيام، بمشاركة واسعة من الشعراء والنقاد والمثقفين والفنانين من المغرب ومختلف دول العالم.
وحضر حفل الختام سعادة عبد الله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والأستاذ محمد إبراهيم القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، ورشيد المصطفي، رئيس قسم التعاون في وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية – قطاع الثقافة، وعبد الحق ميفراني، مدير دار الشعر في مراكش، إلى جانب نخبة من الأكاديميين والطلاب ومحبي الشعر.
وخلال أيامه الثلاثة، تحوّلت مدينة مراكش إلى منصة مفتوحة للإبداع، حيث استقبل المهرجان شعراء من مختلف المدن المغربية، ليشكل بذلك تظاهرة شعرية وطنية احتفت بالكلمة وجمالياتها، وقد تميّزت الدورة بزخم ثقافي وفني لافت، شارك فيه أكثر من 40 شاعراً وناقداً وفناناً مغربياً وعالمياً، وسط حضور جماهيري واسع يعكس المكانة الراسخة للشعر في الوجدان الثقافي المغربي.
وأشاد مشاركون في المهرجان بالدور الريادي الذي تضطلع به إمارة الشارقة في دعم الثقافة العربية ورعاية الإبداع والمبدعين، مؤكدين أن مبادراتها المتواصلة تسهم في تعزيز التواصل الثقافي وإحياء المشهد الأدبي والفني في الوطن العربي، وثمّنوا رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي جعلت من الإمارة منارة للمعرفة ومركزاً للحراك الثقافي العربي والعالمي.
"قادمون إلى المستقبل"
وشهد اليوم الختامي جلسة شعرية حملت عنوان "قادمون إلى المستقبل"، شارك فيها الشعراء أيوب الكوماوي، وآمال الغريب، وليلى يزان، ولحبيب لمعدل، وأدارتها مريم إتجو.
وقدّم الشعراء خلال الجلسة قراءات تنوّعت في أساليبها ورؤاها، وعكست آفاقاً شعرية تنبض بالحس الجمالي والوطني والإنساني، وقرأ الشاعر أيوب الكوماي من قصيدة بعنوان "عزف على نَزف الخُطَى"، يقول:
ها أتعبتك الخُطى
فاحتجْتَ أن تَقفـا
لِتنظرَ العُمر
مرهونا بما اقترفَـا
تَمضِي لمُفترَق النّايــــاتِ
علَّ يدًا
تُلملمُ الوَقت
مِن نزفِ الخُطى
نطفا
طفلُ المتاهة
ملءَ القلب مسكنهُ
سر دفينٌ
وفِي أسمائنا انكشفا
حَربا على التّيه..
آنست المدى سفرًا
تستجمِعُ النَّخل
كَي تبني به غُرفا
وفي مشهد نابض بالحيوية، احتشدت قاعة القراءات الشعرية بأكثر من 100 طفل ويافع، ممن شاركوا في دورات الكتابة الشعرية ودراسة علم العروض التي أقيمت في دار الشعر في مراكش على مدار عام كامل، حيث شكّل حضورهم الكثيف إضافة نوعية للمهرجان، ومؤشراً على حيوية المشهد الشعري المغربي وامتداد اهتمامه إلى الأجيال الجديدة، وقد أضفى تواجدهم أجواءً مفعمة بالحماس والتفاعل، وجسّد لقاءً إبداعياً جمع بين تجارب شعرية من مختلف الأعمار في فضاء واحد.
وتؤكد دار الشعر أن أهمية تعليم الكتابة الشعرية والعروض، تنبع من دورهما في تأسيس الوعي الإبداعي لدى الأجيال الناشئة، إذ يمنحان المتعلمين القدرة على فهم بنية القصيدة وإيقاعها، وصقل موهبتهم بأسس فنية راسخة تجمع بين الذائقة والمهارة. كما يسهم هذا النوع من التعليم في تكوين جيل جديد من الشعراء يمتلك أدوات التعبير الجمالي والقدرة على التجديد ضمن إطار يحافظ على أصالة اللغة الشعرية وتراثها العريق.
وكرّمت الدارُ اليافعين بمنحهم شهاداتٍ تقديرية تقديراً لجهودهم ومثابرتهم خلال الدورات التدريبية، وتشجيعاً لهم على مواصلة تنمية مهاراتهم الشعرية وصقل مواهبهم الأدبية، وقد شكّل هذا التكريم لحظة مميزة عبّرت عن اهتمام دار الشعر برعاية الجيل الجديد من المبدعين، وترسيخ حضورهم في المشهد الثقافي بوصفهم امتداداً لمسيرة الشعر المغربي الواعد.
"الشعر والنقد الثقافي"
وشهد اليوم الثاني من المهرجان المنتدى الحواري الذي ركّز على موضوع "الشعر من منظور النقد الثقافي"، بمشاركة الباحثين د. عبد الرزاق المصباحي، ود. جليلة الخليع، ود. رشيد الخديري، في جلسة أقيمت في جامعة القاضي عياض في مراكش.
وحاول المتحدثون تسليط الضوء على خصائص الخطاب الشعري واستقراء ملامحه، انطلاقاً من حضور النقد الثقافي في النظريات النقدية الحديثة، وجاء هذا الطرح امتداداً لما ناقشه المنتدى في دوراته السابقة المتزامنة مع انعقاد المهرجان، من التلقي إلى الترجمة وصولاً إلى القيم، في إطار سعي مستمر لمراجعة المنجز الشعري وفهم بنياته وأسئلته الجوهرية.
وأكد المتحدثون أن النقد الثقافي يتيح أدوات تحليلية قادرة على تفكيك الخطابات الشعرية واستكشاف أبعادها الثقافية والاجتماعية والمعرفية، مستفيداً من انفتاحه على حقول معرفية واسعة تشمل الدراسات الثقافية.
وأوضح المشاركون أن النقد الثقافي الحديث يقدم مفاهيم جديدة تمكن القارئ من التعامل مع النص الشعري بوصفه فعلًا ثقافياً شاملًا، يتجاوز حدود البلاغة واللغة إلى استكشاف مستويات أعمق للخطاب الأدبي، ويسعى إلى مراجعة الخطابات النقدية حول الشعر في السياق الثقافي العربي، بما يسمح بمقاربات أكثر استقراءً وعمقًا.
"قراءات ومحاورات"
وتواصلت القراءات الشعرية في اليوم الثاني من المهرجان، وشهدت فقرة "أصوات معاصرة" بمشاركة الشعراء: حميد العمراوي، وعبد الرحيم الحيداوي، وفاطمة بلعروبي، وعبد الصمد الزوين، وقرأ الزوين من قصيدة "وهم التلاقي"، يقول:
أراكِ محيطًا يستـــــحيلُ احتــواؤهُ
وعيناكِ شمسٌ في الجمــالِ وأعْظمُ
أراكِ كموجِ البحرِ يَحضُنُ شاطئي
فيغرق قلبي فــــــــي هواكِ ويلطمُ
أحبُّكِ بــدرًا لا أريــــدُ أُفولــــهُ
فشعرِي غدا مِن رَمشِ عينكِ يُنظمُ
وشارك في فقرة "نبض القصيدة"، الشعراء: محمد بودويك، عائشة ادكير، محمد بوجبيري، صالح أيت صالح، وقرأت ادكير من قصيدة "وطني":
وطني هواه ناطق في خافقي
في الجهر أو في السر لم أتخلّفِ
قلبي هفا، متراقصا كالمحتفي
ذا وقعه في خاطري والمصحفِ
اسمٌ بهيٌ غامرٌ متناغمٌ
روحي فداك أمغربي، هل أكتفي؟
حقٌ له مني الوفاء وأشتهي
منه الرضا كرما مجيرا منصفي
وفي المعهد العالي للصحافة والإعلام بمراكش، كان اللقاء مع مكرّمي المهرجان: الشاعر محمد بوجبيري، والشاعر والفنان علي شوهاد، والباحثة عزيزة عكيدة، في جلسة حوارية أدارها الإعلامي والباحث د. عبدالصمد الكباص، وقد استعرض المكرمون خلال اللقاء محطات من مسيرتهم الإبداعية الغنية، إذ يمثل بوجبيري صوتاً شعرياً مميزاً في المشهد المغربي، فيما يجمع شوهاد بين الحس الشعري والتجربة الفنية، وتُعدّ عكيدة من الباحثات البارزات في مجال النقد الأدبي والدراسات الثقافية، بما قدّمته من إسهامات فكرية مميزة.