جار التحميل...
يرجع تاريخ إمارة الشّارقة إلى ما يزيد على ستة آلاف عام، وقد كانت تقطنها القبائل البدوية التي تمتهن الرعيّ والصيد آنذاك بما يتلاءم مع البيئة الصّحراوية والساحلية، وتعيش باستقرار وهدوء، وفي العام 1720م تقريباً بدأ حكم قبيلة القواسم في المنطقة، وأسهموا في تحويل الشارقة إلى ميناءٍ بحريٍّ بارزٍ؛ ليرتبط اسمها بالتجارة البحريّة وصيد الأسماك وصناعة اللؤلؤ، وخلال الفترة ما بين القرن السابع عشر والتاسع عشر واجهت الإمارة العديد من التحدّيات والتوترات المرتبطة بأعمال القرصنة وفترات الاحتلال.
وبحلول القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1820م؛ فقد وقّعت إمارة الشارقة ممثّلةً بالشيخ المغفور له بإذن الله سلطان بن صقر القاسمي، والإمارات الأخرى معاهدة سّلام مع الجانب البريطانيّ؛ كذلك فقد شكّلت معاهدات وقف الحروب البحرية الدائمة عام 1853 مع بريطانيا أهميةً بالغة في تعزيز مكانة المنطقة بما فيها الشّارقة كموقع تجاريّ بارز ومركز مهمّ لصيد اللؤلؤ، ونتيجةً لهذه المعاهدة أصبحت الإمارات ضمن ما كان يُعرف بحكم المشيخات وأٌطلق على المنطقة اسم إمارات الساحل المتصالح التي أسّست لاحقاً معاً دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومرّت الشّارقة خلال الفترات اللاحقة بالعديد من المحطّات التي جعلت منها إمارةً مزدهرة؛ فقد بُنيت في العام 1903م المدرسة التيمية لتدريس القرآن والتعاليم الإسلامية، وهي أول مدرسة شبه نظامية على مستوى دولة الإمارات ككل، كذلك أُنشئ في الإمارة المطار الدوليّ الأول على مستوى المنطقة الخليجية، باتفاقية بين المغفور له الشيخ سلطان بن صقر وبريطانيا خلال العام 1932م، تلاها تأسيس مكتبة التيمية، والمزيد من المدارس، والمستشفيات، ومكاتب البريد، وغيرها.
وقد شكّل العام 1968م الحدث الأبرز في المنطقة؛ بإعلان بريطانيا نيتها في الانسحاب من مناطق الخليج العربيّ كافّة ومن ضمنها الشارقة، مع حلول نهاية عام 1971.
بعد انسحاب القوّات البريطانية من مناطق الخليج العربيّ، اجتمع حُكّام ست إماراتٍ في الثامن عشر من يوليو للعام 1971م في دبيّ، وهي: إمارات الشّارقة، وأبوظبي، ودبيّ، وأم القيوين، وعجمان، والفجيرة، وقرّروا تأسيس الإمارات العربية المتحدة كدولةٍ مستقلّة تتمتّع بالسيادة الكاملة، وجاء الإعلان الرّسميّ لهذا القرار في الثاني من ديسمبر لنفس العام.
وقد انضمّت إمارة رأس الخيمة للاتحاد في العاشر من فبراير للعام 1972م بدعمٍ كاملٍ من صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتِّحاد، حاكم الشارقة، ومن حُكّام بقية الإمارات، على رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، ليُصبح بهذا اتحاداً كاملاً بسبع إمارات.
وكان الشيخ خالد بن محمد بن صقر بن خالد بن سلطان بن صقر بن راشد القاسمي قد حكم الشّارقة في الفترة الواقعة بين 1965م و1972م، وشارك في الاجتماع الذي جعل من الإمارة جزءاً من دولة الإمارات العربية المتحدة؛ إذ كان حريصاً على قيام الاتحاد؛ وتوحيد الصفّ الوطنيّ من أجل النهضة والازدهار والتقدّم.
أمّا في 25 يناير للعام 1972م فقد تسلّم صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتِّحاد حاكم الشارقة، مقاليد الحكم، امتداداً لحكم القواسم؛ ليكون الحاكم الثّامن عشر للإمارة، وليرفع علم الاتحاد بدلاً من علم الشّارقة فوق جميع المؤسسات والدوائر الحكومية في الإمارة، لتبدأ مسيرة إسهاماتٍ جديدة تُعزّز الوحدة الوطنية، وتُقدّم المصلحة العامة للبلاد على كل المصالح، وتبني دولةً أكثر قوّة وتماسكاً.
ويَجمع دولة الإمارات العربية المتحدة دستورٌ واحدٌ أقرّه المجلس الأعلى للاتحاد في العام 1996م، واعتُمدت إثره إمارة أبوظبي عاصمةً للبلاد.
تمتّعت إمارة الشّارقة بمركزٍ قويٍّ على المستويين السياسيّ والاقتصاديّ، وهذا مكّنها من تشكيل رؤيةٍ داعمةٍ لفكرة الاتحاد؛ لما فيه من توحيدٍ للجهود ونهضةٍ للدولة، وقد ازداد ازدهار الإمارة الثّقافيّ، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ بعد تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة؛ بشكلٍ طال أثره الإيجابيّ ومنافعه كافّة الإمارات.
وفي هذا السياق فقد حازت الإمارة لقب عاصمة الثّقافة العربية من قبل منظمة اليونسكو في العام 1998م، وعاصمة الثّقافة الإسلامية من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في العام 2014م، وعاصمة السياحة العربية من قبل وزراء السياحة العرب في العام 2015، والعاصمة العالمية للكتاب من قبل الاتحاد الدولي للناشرين (IPA) والاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (IFLA) في العام 2019م.
وفي هذا تكون الشّارقة عاصمةً للتبادل الثّقافيّ الذي يجمع بين الإمارة -حاملةً اسم الدولة- ومختلف دول العالم، في ظلّ دعم وتوجيهات صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة.
ومن الناحية الاقتصادية مثلاً؛ فقد صدرت الشّحنة الأولى من النفط في الشّارقة من الحقل النفطيّ "مبارك" في العام 1974م، والآن إلى جانب تصدير النفط، تحتوي الشّارقة مناطق صناعية تضمّ ما تزيد نسبته على 48% من الإنتاج الصّناعي للدولة، وقد بلغ إجمالي الناتج المحلّيّ للإمارة 136.9 مليار درهم حسب إحصائيات العام 2022م، لتُشكّل الإمارة بهذا دوراً محورياً وبارزاً في تشكيل اقتصاد الإمارات وتوطيد ركائز وأُسس الاتحاد منذ قيامه.
وفي الختام؛ فقد مرّت إمارة الشّارقة بالعديد من المحطّات التاريخية التي سبقت إعلان الاتحاد، والتي أسهمت في جعلها قويّةً قادرةً على المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية التي تصبّ في المصالح العليا للدولة، فضلاً عن تقديمها للدّعم الكامل لاتفاقية الاتحاد منذ اقتراح الفكرة في اجتماع الإمارات المتصالحة معاً وصولاً لدعم انضمام إمارة رأس الخيمة، يليها الإنجازات المجتمعية الرّائدة للإمارة التي عزّزت قوّة دولة الإمارات كدولةٍ عربية متحدة ومستقلة.
المراجع
[1] sharjahwbc.com, نبذة عن اختيار الشارقة العاصمة العالميّة للكتاب لعام 2019
[2] u.ae, إمارة الشارقة
[3] u.ae, الآباء المؤسسون للاتحاد
[4] mofa.gov.ae, تاريخ دولة الإمارات
[5] nla.ae, العهد البريطاني
[6] u.ae, تاريخ دولة الإمارات
[7] rakheritage.rak.ae, بدايات الإمارات