جار التحميل...
وتمتاز بأنّها مدينة أثرية عظيمة تحتضن مجموعة متميزة من المواقع التاريخية التي تعود إلى العصر البرونزي، وحصون فترة ما قبل الإسلام؛ السبب الذي أدّى إلى ترشيحها كموقع للتراث العالمي من قِبَل منظَّمة اليونسكو العالمية (UNESCO).
وجدت أعمال البحث والتنقيب أنّ أقدم البقايا التي اكتُشِفت في مدينة مليحة تعود إلى نحو 300 عام قبل الميلاد، لذا فإنّ مُجرَّد الوصول إليها يُعيد زائريها إلى تاريخ العصور القديمة، ويُتيح لهم التعمُّق في تاريخ الحضارات والأجيال التي استوطنتها على مَرّ العصور، ويُشار إلى أنّ المدينة شَهِدت تعاقُب العديد من الحقب الزمنية فيها؛ بدءاً بالعصر الحجري القديم، ثمّ العصر الحجري الحديث، والعصر البرونزي، والحديدي، والعصر الجاهلي ما قبل الإسلام، وصولاً إلى العصور الإسلامية الحديثة.
واكتُشِفت العديد من الآثار التاريخية والمُكتَشَفات القَيِّمة خلال سنوات عديدة من البحث والتنقيب؛ إذ بدأت أولى أعمال التنقيب في مدينة مليحة عام 1973 على يد بعثة أثرية عراقية، ثمّ تولّى تلك الأعمال فريق فرنسي خلال السنوات 1985-1999، بينما باشَرَت البعثة الأثرية المحلّية لإدارة الآثار في دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة أعمالها التنقيبية منذ عام 1993 وحتى الآن.
تزخر مدينة مليحة بالمُكتشَفات الأثرية المُميَّزة التي تدلّ على تاريخها الأثري العريق، وفيما يلي توضيح أهمّ تلك المُكتشَفات:
كشفت أعمال التنقيب الحديثة عن وجود عِدَّة مَبانٍ أثرية قديمة في مدينة مليحة، بعضها يُمثِّل بيوتاً صغيرة وبسيطة، والبعض الآخر أكبر حجماً بغُرَف مُتعدِّدة وساحات داخلية.
ولعلّ أهمّ المباني المُكتشَفة في المنطقة "مبنى الحصن"، ويُعرَف أيضاً بـ "قلعة مليحة"، وجرى اكتشافه على مدار خمس حملات تنقيب استمرَّت لعِدَّة أعوام منذ 1990 وحتى 1999، ويعود تاريخ بنائه إلى منتصف القرن الثاني وحتى نهاية القرن الثالث بعد الميلاد، بينما يتَّخِذ المبنى من الخارج شكلاً قريباً للمُربَّع بأبعاد تبلغ نحو (60×55) متراً، وهو مَبنيّ من ألواح الطين مع جُدران سميكة.
أمّا الشكل الداخلي لمبنى الحصن، فيتشكّل من عِدَّة صفوف من الغرف تتوسَّطها ساحة كبيرة، ويشمل مرافق خاصّة للسكن، وأخرى لأغراض التخزين، بالإضافة إلى ورشة لصناعة المعادن، وعُثِر أيضاً على مجموعة من القوالب الخاصّة بسَكّ المعادن، ممّا يدلّ على احتمالية كونه مركزاً سياسياً قديماً.
تضمّ مدينة مليحة مجموعة كبيرة من القبور وشواهد القبور التي تعود إلى العصور القديمة، وفي عام 1998، اكتُشِف واحد من أهمّ المدافن في المنطقة في إحدى مزارع النخيل؛ وهو "ضريح أم النار" الذي يعود تاريخ بنائه إلى 2,300 قبل الميلاد، وتحديداً إلى "فترة أم النار" في العصر البرونزي، ويمتاز بشكله الدائري الذي يبلغ قُطره 13.85 متراً، ممّا يجعله ثاني أكبر القبور المُكتشَفة في تلك الفترة بعد "قبر شمل" الذي يبلغ قُطره 14 متراً.
وكشفت الدراسات عن أنّ استخدام ضريح أم النار استمرَّ لمُدَّة 200 عام تقريباً، أمّا تصميمه الداخلي، فيتألَّف من حجرة القبر المقسومة إلى نصفَين؛ نصف شرقي، ونصف غربي، بحيث يشمل كلّ نصف أربع وحدات مُتَّصِلة بعضها مع بعض بواسطة المداخل.
كما عُثِر على مجموعة مُكتشَفات أثرية تدلّ على طبيعة الحياة خلال فترة أم النار، مثل: الأواني الفخّارية، والسكاكين البرونزية، بالإضافة إلى أدوات الزينة؛ كالقلائد، والدبابيس، والخرز، والأساور، وساعد اكتشاف هياكل عظمية لأشخاص بالغين على معرفة الطريقة المُعقَّدة لدفن الموتى آنذاك؛ إذ كانوا يُدفَنون بوضعية مَثنِيَّة وأيدي مرفوعة إلى الوجه.
تحتوي مدينة مليحة على عدد من القبور التي دُفِنت فيها مجموعة من الخيول والجِمال؛ إذ كانت بعض الجِمال من النوع الهجين بين الجمل العربي والجمل ذي السنامَين المعروف بقوّته الفائقة، ومن أهمّ الاكتشافات المُثيرة هناك هو قبر لجمل مدفون جنباً إلى جنب مع حصان بكامل عُدَّته المؤلفة من عشرة أقراص من الذهب.
افتُتِح "مركز مليحة للآثار" في عام 2016، ويقع على بُعد 65 كيلومتراً جنوب شرقيّ مدينة الشارقة، وهو من أهمّ المواقع التاريخية الطبيعية في المنطقة، ويُمثِّل الوجهة المُثلى لمُحِبّي الاطِّلاع على تاريخ العصور القديمة؛ إذ يحتوي على مجموعة من المعروضات الأثرية، كما يُقدِّم عروضاً تثقيفية لمُحِبّي التاريخ؛ للتعرُّف أكثر إلى الحضارات القديمة التي سكنت المنطقة، ويمكن أيضاً الاستمتاع بمشاهدة الأفلام الوثائقية عن تاريخ مدينة مليحة التي تُعرَض على مجموعة من شاشات العرض التفاعلية.
ومن ناحية أخرى، تتوفّر العديد من الأنشطة الخارجية المُميّزة التي يُمكن الاستمتاع بتجربتها أثناء زيارة المركز، مثل: ركوب الدرّاجات الرُّباعية في الصحراء، وركوب الخيل، واستكشاف الكُثبان الرملية، ومغامرات الطُّرُق الوَعِرة، كما يُمكن لمُحِبّي مطالعة النجوم تجربة التخييم الليلي هناك، فضلاً عن الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الجميلة التي تدمج بين الماضي الأثري القديم، والواقع الحديث.
وفي النهاية، تحظى مدينة مليحة باهتمام كبير من قِبَل صاحب السُّمُوّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتِّحاد، حاكم الشارقة؛ إذ أمر منذ سنوات عِدَّة بضرورة إيلاء المنطقة بالاهتمام الكبير، ومُواصَلة اكتشاف المزيد منها، والحرص على ترميمها، كما أُسِّس "مشروع مليحة للسياحة البيئية والأثرية" بإرادة من سُمُوّه، والذي كان إنشاء مركز مليحة للآثار أوّل مراحله؛ حرصاً على إبراز المُقوِّمات السياحية والأثرية لمدينة الشارقة، وتأكيداً على أهمية تعزيز التراث الأثري والثقافي الذي تتمتَّع به المنطقة.
المراجع
[1] mcy.gov.ae, مدينة مليحة
[2] discovermlieha.ae, المواقع الأثرية
[3] visitsharjah.com, مليحة
[4] moccae.gov.ae, مركز مليحة للآثار
[5] shurooq.gov.ae, مشروع مليحة للسياحة الأثرية والبيئية