وأنا أرى أبنائي ووضعنا الحالي بالعودة للمنزل كلٌ بعد مدرسته ووظيفته بتوقيتات محددة، وأرى وجبة الغداء وحيدة على طاولة الطعام البعض يمر عليها والبعض يتجاهلها، وهي كانت سابقاً بالنسبة لنا هي الحصة الأخيرة.
نعم رغم وصولنا للمنزل هي الحصة الأساسية التي يكون معلمنا هو الأب ومعلمتنا هي الأم نعم هو "سماط" الغداء بالعامية وهو الأكل جلوساً على الأرض مباشرة ولازال البعض يفضلها عوضاً عن طاولة الطعام.
والأهم من ذلك أنها هي الحصة الأخيرة ففيها تجتمع الأسرة والوالد يتفقد حضور الجميع على الوجبة، ويبدأ الأب أولاً ثم نحن لأن في هذه الحصة ترسيخاً لأسس وقيم ونظام تربوي داخل الأسرة.
وبالرغم من بساطتها وهي وجبة يسأل الأبوان أبناءهما كيف مر يومهم الدراسي، وعن واجباتهم، واختباراتهم وكلٌ يجاوب احتراماً وهيبة للأب وتقديراً حتى يتم خلالها معرفة كيف سيمر باقي اليوم بين مذاكرة وصلاة أو تحفيظ القرآن الكريم، أو لعب مع أبناء الحارة.
نعم هي الحصة الأخيرة بلا كتب، لكنها منهج حياة، كنا نصل من مدارسنا، نشتم روائح الأكل طوال الطريق، فكل المنازل أساسية عندها تلك الوجبة، التي تبدأ بوصول رب الأسرة، وكان الوقت فيه بركة عجيبة، وموزعاً بشكل تلقائي وكل المنازل بها نظام ثابت، الكل ملزم أن يجتمع ومَن يتخلف يتم سؤاله ويعتبر أمر شاذ ويتم معالجة الأمر مباشرة وفي تلك السفرة الأرضية الكل يأكل في إناء واحد ورغم ذلك البركة تكون سيدة المكان، وتزيد النعمة وأحياناً تترحل لوجبة الغداء ناهيك عن تبادل الجيران للوجبات.
إنها الحصة الأساسية التي تعلمنا منها البسملة قبل الأكل والحمد بعد الانتهاء، والأكل باليمين وغيرها الكثير من الآداب التربوية.
"الله يا هي" ذكريات وجاءت ساعات العمل الطويلة والطلبات الخارجية للوجبات وأصبح الغداء لا وقت له والصدفة هي من تلعب دوراً للالتقاء ولمِّ الأسرة أو نهاية الأسبوع الذي هو أصبح كذلك متنفس للخروج،وتناثرت الأسرة عبر عجلات الدقائق والشبكة العنكبوتية وإيقاع السرعة المصطنع وأصبح معنى البركة الحقيقي يتلاشى، وتمضي الأيام كما نقولها بشكل دارج على البركة ومخرجاتها على البركة.
إنها وجبة واحدة كانت تصقل وتصنع وتلهم، فحينما تريد أمة رصينة اجمعْ الأسرة وهيئ لها أجواءً تلملم شتاتها.
For an optimal experience, please
