اختتمت دائرة الثقافة في الشارقة، بالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، ودار الشعر في مراكش، فعاليات الدورة السادسة من مهرجان الشعر المغربي، الذي أقيم على مدار 3 أيام، بمشاركة واسعة من شعراء ومثقفين ونقاد وفنانين مغاربة.
الشارقة 24:
طوى مهرجان الشعر المغربي، صفحة الدورة السادسة التي أقيمت تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والعاهل المغربي الملك محمد السادس؛ ونظمتها دار الشعر في مراكش، بالتعاون مع دائرة الثقافة في الشارقة، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، على مدى 3 أيام، بمشاركة واسعة من شعراء ومثقفين ونقاد وفنانين مغاربة.
حضر حفل الختام، سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية بالدائرة، ورشيد مصطفى رئيس قسم التعاون في وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية - قطاع الثقافة، ود. عبد الجليل لكريفة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض في مراكش، وعبد الحق ميفراني مدير دار الشعر في مراكش، وعدد كبير من الأكاديميين والطلاب والمهتمين بالشعر.
وشرّع المهرجان، خلال أيامه الثلاثة المميزة، أبوابه للمبدعين القادمين من مختلف المدن المغربية، مثل: العيون، وطرفاية، وكلمبم، وتارودانت، وجهة سوس ماسة، لتصبح مدينة مراكش ملتقى للمبدعين من كافة الأنحاء المغربية خلال فترة الحدث، الذي شهد زخماً إبداعياً لافتاً لأكثر من 30 شاعراً وناقداً وفناناً مغربياً.
وفيما كان المهرجان، يتنقّل بين مؤسسات ثقافية وأكاديمية ومناطق عدة داخل مدينة مراكش، محتفياً بالقصيدة ومبدعيها، كانت "المدينة الحمراء" تحتفي باختيارها عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي للعام 2024، ليكتمل المشهد الثقافي المتصل بالأركان الإبداعية الشعرية والتراثية والتاريخية، وسط حضور كبير يؤكد أهمية الحدث الشعري في المدينة المغربية الجنوبية.
قادمون إلى المستقبل
وشهد اليوم الختامي، جلسة شعرية صباحية تحت عنوان "شعراء قادمون إلى المستقبل"، شارك فيها: كريم آيت الحاج، وعيني أمنيصير، ورشيد فجاوي، ونعيمة موحتاين.
وبينما أنشد المبدعون، مجموعة قصائد تحاكي دواخل الشعراء، لامس الحضور نبض القصيدة المنبثقة من أعماق الروح، فقرأ كريم آيت الحاج من قصيدة أهداها إلى ضحايا الزلزال في قريتيه النائية التي تستند إلى سفح جبل، يقول:
أعاند أيامي وأبكي انهزامها كأني تركت الخيل تأبى لجامها
فلم أر يوماً مثل ذاك الذي بكت بلادي كأن الأرض ألقت سهامها
فدثرنا ليل طويل من الأسى وألقتْ علينا الأحزان سلامها
ونائحة تحت الركام تشير لي ففاضت دموع القلب فيضاً أمامها.
واحتشدت قاعة القراءات الشعرية، بأكثر من 100 طفل ويافع وشاب، كانوا قد شاركوا في دورات الكتابة الشعرية ودراسة علم العروض خلال عام كامل، وكان لهذا الحضور الكثيف من قبل الطلبة والمهتمين، إضافة مهمة للمهرجان، وشكّل فرصة لاجتماع أجيال شعرية متنوعة في مكان واحد.
وفي الأمسية الشعرية من نفس اليوم في حديقة "مولاي عبد السلام"، شارك الشعراء: خديجة السعدي، ومهند دويب "فلسطين"، ونور الدين محقق، وسليمان الدريسي.
الشعر والسيرة
وشهد ثاني أيام المهرجان، ندوة نقدية بعنوان "الشعر والسيرة.. ذاكرة الشاعر وسير القصيدة"، بمشاركة الباحثين: د. نادية العشيري، ود. عبد الجليل لكريفة، ود. مراد المتيوي، وأقيمت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض في مراكش، وحضرها عدد كبير من الأكاديميين والطلاب وجمهور المهرجان.
وطرحت الندوة، سؤال العلاقة الملتبسة والمشتبكة بين "الشعر والسيرة.. ذاكرة الشاعر وسير القصيدة".
وفي المداخلة الأولى بعنوان: "القصيدة السيرذاتية: ذات الشاعر بين التسريد والتخييل"، عمّق الناقد مراد المتيوي أسئلة الكتابة الشعرية السير ذاتية في ديوان عبد القادر الشاوي "بالنيابة عني يا أيها القناع" (2023) لإبراز اشتغال السير ذاتية في قصائده، من خلال تجربة شخصية صعبة مر بها الشاعر وحاول بعدها لملمة شظايا ذاته، وتجاوز أثرها بضمير المتكلم الذي يتحول بكيمياء الكتابة إلى صوت الإنسانية جمعاء.
أما مداخلة نادية العشيري، فقد أشارت إلى ارتباط الكتابة السيرية بمدى توفر المساحة، ومفهوم الذات، ونظراً لتوفر هامش من المساحة، والاعتراف بنون النسوة في الثقافة الأندلسية، تناولت الناقدة، تقاطعات السيرة مع الكتابة الشعرية النسائية من خلال نماذج من أشعار الأندلسيات، وعلى رأسهن ولّادة بنت المستكفي، وما طرحتهُ تجربتها الشعرية من ثورة سببها الأساس في الربط بين تخييلية قصائدها وواقعها الفعليّ.
أما المداخلة الأخيرة، فكانت من إلقاء عبد الجليل لكريفة، واختار أن يسائل تنافذ السيريّ والشعريّ من خلال قصيدة الجيلالي مثيرد "فاطْما"، التي ولدت القصيدة في تخوم الشعري والاجتماعي؛ إذ هي تعبير عن التشابك بين عديد المكونات الحياتية، وهكذا، عمدت الكتابة الشعرية في القصيدة إلى الاستعارات من أجل التعبير عن واقعٍ مرجعيٍّ.
وفي جلسة شعرية تلت الندوة، اقترحت دار الشعر بمراكش، أن يستمع جمهورها إلى تجارب شعرية ينهل شعراؤها في كتابتهم من معين السيرة الذاتية، حيث استمتع الحضور بإلقاءات شعرية متنوعة، لكل من: عائشة عمور التي ساءلت اللغة باعتبارها حجاباً، ويوسف الأزرق الحذر من الأمنيات بوصفها مكائد، وأيوب آيت لمقدم الذي يرى في الهموم قلائد في الصدر، وعمر العسري التائه في "7 تْلاوي" بمراكش، حيث تنتصر المتاهةُ على إمكان الوصول إلى الذات.
وقرأ أيوب آيت لمقدم من قصيدة بعنوان "حنين لخيل الغياب"، يقول:
كابدت قبلك ما ظللت تكابد فإلى متى يبكي الفؤاد الساهدُ؟
أرِقاً، تراود في خيالك غيمة لتسحَّ في نهر المجاز قصائدُ
أرِقاً، تذوب وليل أنسك موغل في الشوق يولعه حنين راصدُ
ويمضي في مقطع آخر:
من شوق أندلس العتيقة لم تزل تبكي بليل الذكريات وسائدُ
غابات خيل كم سعت نحو العلى فهل استهانت بالجياد مرابدُ
كلّا وجرحٌ مقدسيٌ قُسّمت أجفانه بعد السهاد شدائدُ
من زخرف المعنى المعتق مرة ستعيده رغم الغياب عوائدُ.
رؤية ثقافية متكاملة
ورأى مشاركون في مهرجان الشعر المغربي، أن مشروع الشارقة الثقافي نتاج رؤية ثقافية متكاملة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويمتد ليشمل وطننا العربي ككل، والبعد الثقافي في مختلف مكوناته وأنواعه الإبداعية، ويؤكد هؤلاء، أن المشروع يدفع للأمام عجلة الإبداع، بصورة متقنة تبين التوجه الجاد والقيادة الرشيدة في تحقيق الإشعاع الثقافي للمكون العربي.
واعتبر المشاركون، أن مهرجان الشعر المغربي استجاب لكل معايير الإبداع، من خلال استقطاب أسماء وازنة مرموقة من روّاد الحرف عبر ربوع المغرب، وجعل الشعر رافداً رئيساً من روافد الإبداع.
ولفتت الشاعرة والناقدة عائشة عمور الفائزة بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، أن مشروع الشارقة الثقافي هو نتاج رؤية ثقافية متكاملة لصاحب السمو حاكم الشارقة، ويمتد ليشمل وطننا العربي ككل، وأشارت إلى أن الرؤية تشمل البعد الثقافي في مختلف مكوناته وأنواعه الإبداعية الشعرية والسردية والتشكيلية والنقدية، وكذلك من خلال تنظيم الجوائز الثقافية وإصدار المجلات وتنظيم المعارض الفنية والثقافية من قبل دائرة الثقافة بالشارقة، مما جعل الإمارة منارة حقيقية للثقافة والفنون والآداب بالعالم العربي.
وأوضحت عمور حول المهرجان، وأنا في مدينة مراكش محمولة بهذا الألق الشعري الباذخ، أحس أنني أرفل بين الكلمات الدافئة التي يتردد صداها بين الشعراء والنقاد، وأنا سعيدة كون دار الشعر في مراكش هي التي كرست بانتظام ومثابرة هذا الحضور المشرق والبهي، وبهذه المناسبة أتوجه بالشكر لدار الشعر وللمسؤولين الذين يسهرون على رعاية الشعر والشعراء.
من جهته، أكد يوسف الأزرق، أن مشروع الشارقة الثقافي بأبعاده العربية تحت رعاية صاحب السمو حاكم الشارقة، مشروع متميز ومؤثر على مستوى تحقيق نهضة ثقافية حقيقية في جل الدول العربية، وأضاف كشاعر ومتتبع للأنشطة الثقافية لبيوت الشعر في الوطن العربي ومن ضمنها المغرب، يتضح بشكل جلي، هذا الاشتغال الثقافي العميق، المتواصل المتعدد والمتجدد للرقي بالشعر والشعراء، وهذا الإصرار المدهش من قبل سموه، على الاعتناء بالبعد الثقافي والتربوي والإبداعي، كما تجدر الإشارة إلى الاهتمام النبيل من دار الشعر بالأطفال، شعراء المستقبل، خصوصاً في أنشطة ورشات الكتابة الإبداعية والشعر الممسرح التي تزرع بذور التنشئة الاجتماعية والفنية، وتنمي الذائقة الفنية للناشئة، ما يؤكد على روعة الرؤيا الخاصة بحكومة الشارقة في بناء الأجيال المقبلة وتمكينها وصقل مواهبها، وتطوير خيالها وترسيخ قيم المحبة والتسامح في أرواحهم.
ورأى الأزرق، أن مهرجان الشعر المغربي في دورته السادسة، كان عرساً ثقافياً ناجحاً بامتياز، يسعى إلى ترسيخ التواصل الإنساني العميق والانتصار لقيم الود والسلام، وحيا بكل محبة وامتنان "دار الجمال، ودار الحياة، ودار الشعر بمراكش، ودائرة الثقافة بالشارقة"، على الدعم المستمر والدافئ للشعر وللشعراء، والمساهمة المبهرة منذ سنوات في الرقي بالشأن الثقافي والإبداعي بالمغرب، ونوه إلى أن المهرجان كان ناجحاً على مستوى مواد البرنامج والأسماء المبدعة المشاركة، كما أنه جعل الشعراء بمختلف تنوعهم كعقد متلألئ وملهم، وعائلة منسجمة ومتناغمة، وكانت واسطة هذا العقد دار الشعر.
بدوره، أكد الشاعر محمد كبداني بقوله: لا يسعنا كشعراء شباب إلا أن نقدّر هذه المبادرة العربية، ونقول بالشعر سنجد صلة وصل بين ما نريده، وبين ما هو موجود فعلاً، فشكراً للشارقة على مبادراتها الثقافية المتميزة والمتفردة.
من جانبه، رأى أيوب لمقدم، أن مشروع الشارقة الثقافي يدفع إلى الأمام عجلة الإبداع، بصورة متقنة تبين القيادة الرشيدة في تحقيق الإشعاع الثقافي للمكون العربي الذي يعد الفرع الأصيل ضمن فروع الهوية المغربية والهيكل الرئيس للثقافة الإنسانية بالبلد، وأكد أن رؤية الشارقة تعد تجربة ناجحة تستحق التثمين والامتنان، لما لذلك من أثر فعّال في ترسيخ قيم الإنسانية المتعارف عليها كونياً، ودورها في تشجيع المبدعين على المضي قدماً في المشاريع الإبداعية التي يصوغون مجدها.
وأشار لمقدم، أن مهرجان الشعر المغربي استجاب لكل معايير الإبداع من خلال استقطاب أسماء وازنة مرموقة من روّاد الحرف عبر ربوع المغرب، وجعل الشعر رافداً رئيساً للإبداع، وركز على أن فكرة الورشات الخاصة بالكتابة وتنويع مقرات العرض، كلها مناسبات جميلة ربطت المتلقي بالقصيدة، وربطت الشاعر في عالمه.
من جهته، أوضح كريم آيت الحاج، أن ما تقوم به إمارة الشارقة في زرع دور الثقافة بمختلف أرجاء العالم العربي، لا يمكن لأي مثقف ومبدع إلّا أن يضع عبارات الثناء والتقدير على مبادرات نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى، فالشكر موصول لدار الحب والورد بإمارة الشارقة ولحاكمها المثقف النبيل، ونشكر نحن شعراء المغرب العميق، دار الشعر في مراكش، على صقل المواهب وبعث القصيدة من جديد.