جار التحميل...
الشارقة 24:
طوى مهرجان الشعراء المغاربة صفحة الدورة السادسة بعد ثلاثة أيام ازدانت بالحرف، واحتفت بالكلمة، ضمن الفعاليات التي أقيمت تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والعاهل المغربي الملك محمد السادس، ونظمتها دائرة الثقافة في الشارقة بالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية على مدى ثلاثة أيام.
وشهد المهرجان مشاركة أكثر من 40 مبدعاً من شعراء وشاعرات ومثقفين وفنانين وسط أجواء احتفائية بالشعر ومبدعيه، فيما توّجت الدورة السادسة 83 طالباً وطالبة في ورشة الكتابة الشعرية التي نظمتها دار الشعر في تطوان بالتعاون مع كلية اللغة العربية في المدرسة العليا للأساتذة في مدينة مرتيل، كما توّجت 18 تلميذاً وتلميذة في المسابقة الأقليمية لرواد اللغة العربية بتنظيم من دار الشعر مع أكثر من 37 مؤسسة تعليمية للتعليم الثانوي والإعدادي، في حين تابع المهرجان جمهورا كبيرا من مختلف المدن المغربية.
أُقيم حفل الختام في مدرسة الصنائع والفنون الوطنية في تطوان، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والأستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، ورشيد المصطفى رئيس قسم التعاون بقطاع الثقافة في وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، والدكتور يوسف الفهري رئيس المدرسة العليا للأساتذة في مدينة مرتيل، ومخلص الصغير مدير دار الشعر في تطوان، وعدد كبير من الأدباء والمثقفين والطلاب الجامعيين.
وأشار مخلص الصغير إلى أن مهرجان الشعراء المغاربة يسعى إلى التجديد مع كل دورة جديدة، وإلى أن يكبر شعرياً، ومن حيث الصدى الثقافي في العالم العربي، مبرزاً أن الدورة السادسة حظيت بحضور رسمي بارز إلى جانب الحضور الجماهيري الذواق للشعر والفن، موضحاً أن دار الشعر في تطوان، التي تأسست في العام 2016، تؤكد سعيها الدؤوب لتنظيم دورة سابعة مميزة في العام المقبل، احتفاء بمرور عشر سنوات على تأسيسها.
وقال الصغير: "ها نحن نطوي صفحة جديدة من مهرجان الشعراء المغاربة، بعد أيامٍ من الجمال الخالص، حيث صدحت الحناجر بأجمل القصائد، وتنوّعت التجارب، وتألقت الكلمة المغربية في أبهى حللها، وقد اجتمعنا على محبة الشعر، واحتفينا بأصواتٍ مغربيةٍ نبضت بالحياة، عبّرت عن الوطن، والحلم، والإنسان. كان المهرجان أكثر من لقاء أدبي، كان عرسًا ثقافيًا يجمع بين الأجيال، ويوحّد الجهات على صعيد الكلمة الحرة والنابضة".
شهد اليوم الثاني من المهرجان ندوة نقدية تحت عنوان "الشعر وفنون الأداء" أقيمت في المردسة العليا للأساتذة، وتحدث فيها: عبد العزيز الحلوي، وخالد أمين، ويوسف الريحاني، فيما قامت حورية الخمليشي بإدارة الجلسة.
وركز المتحدثون أنه حين يُلقى الشعر على المسرح، أو يُدمج مع الحركة أو الموسيقى، يتحوّل إلى فن أدائي، وهنا تنشأ ما يُعرف بـ"شعرية الأداء"، حيث يخرج الشعر من الصفحة ليتجسّد عبر الجسد والصوت والنظرة والسكوت، مشيرين إلى أنهه في هذه اللحظة، يتداخل الأدب مع الفنون الحية، ليمنح المتلقي تجربة فنية متعددة الحواس.
ولفت المتحدثون حول الشعر والأداء فيما يسمى تلاقي الكلمة بالحركة، والصوت بالصمت، حينها يولد سحرٌ اسمه شعرية الفنون الأدائية؛ حيث تتحوّل القصيدة إلى جسد نابض، والمشهد إلى قصيدة مرئية تُقرأ بالعَين كما تُحس بالقلب.
وتلا الندوة، جلسة شعرية قرأ فيها الشعراء: حسن الوزاني، وأسماء أوبيهي (فائزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي/ الإصدار الأول)، وعبد الإله مهداد، وقدمت لها إكرام عبدي.
وأنشد مهداد من "مواويل"، يقول فيها:
ما زلت أحفر عن ذكرى تعاندي تقدُّ قُمصــان سرٍّ كان مُرتَشَفي
ذاكَ السَّرابُ وحينَ اجْتاحَ أسْئِلَتي ما عُدْتُ أحمِلُهُ وَهْنا على كَتِفي
ذَرَعْتُ في سِجنِ ذاتـي خائفاً أسِفاً حتى تناسَيْتُ بَعْـــضِي في لظى أسَفِي
يأتي الغرابُ يُداري بالثرى شفَقِي زوَّادَتي صَوْتهُ والريــشُ ذا تَلَفي
وفي حديقة مدرسة الصنائع والفنون الوطنية، استكمل اليوم الثاني فعالياته حيث أقيمت جلسة قراءات شعرية، بمشاركة: حفيظة بو عمامة، ونبيل منصر، وعادل لطفي، وعبد العظيم الحيداوي، ونجيب خداري، وإيمان الخطابي، وعبد الدين حمروش، وقدمت لها مريم كرودي.
وقرأ عبد العظيم الحيداوي:
هذا الضبابُ المحضُ أصبح واضِحا فمتى تُعيدُ إلى الكلامِ ملامحا
هي رميةُ النرد القديمةُ يا تُرى هل كنتَ فيها خاسرا أم رابحا!
لكَ في مقامِ الغيبِ معنىً فاحتَرِق وردًا لتصعدَ للخيالِ روائحا
واذبح قرابينَ المجازِ ولا تقُل شيئا فإنّ الصمتَ صار مذابحا
وفي نهاية اللقاء، سلّم عبد الله العويس ومحمد القصير الطلبة الملتحقين بورشات شعر دار الشعر في تطوان، شهادات تقديرية تشجيعا لجهودهم الإبداعية والعلمية في الورشات.
لمهرجان الشعراء المغاربة فقرة استثنائية، إذ يجمع الجمهور مع الشعراء المكفوفين في معهد طه حسين في تطوان، في لحظة شعرية وإنسانية راقية، التقى فيها الشعر بالشعر مع مجموعة المبدعين المكفوفين الذين استلهموا من الكلمات ملامح الحياة، ومن تفاصيلها نسجوا عوالمهم الكبيرة. وشارك في الجلسة الشعرية: سعيد الخمسي، وسعيدة أملال، ومحمد العمراني، فيما رافقت القراءات عرض موسيقي مميز لفرقة طه حسين.
وفي مدرسة الصنائع والفنون الوطنية، حط مهرجان الشعراء المغاربة رحال الدورة السادسة، إذ شهدت المدرسة سلسلة من القراءات الشعرية بمشاركة: محمد بودويك، وإكرام عبدي، وعبد الله بناجي، وأحمد الريسوني، وعمر الطاوس، وثريا إقبال، وحفيظة بو عمامة، وعزيز التازي، فيما قدمها مراد القادري.
وكانت حفيظة بو عمامة في "حالة حب للبادية"، فقرأت تقول:
فمَن غيرَ ترحالي يُوَفرُ لي مَدًى كما تبتَغي نفسي لشِعري وترتجي
لأسمع صوتا عبر إيقاع جرسه أعدي مواويل التألق وانسجي
وإني إذا جئتُ الحبيبةَ زائرا تُسر حبيبتي.. وتحفل بالمجي
فأملأ دلوي من سواقي بداوتي وأهرقُها شِعرا بكل تَبَجُّج
أجمع مشاركون في مهرجان الشعراء المغاربة أن الشارقة باتت تمثل نموذجاً ريادياً في دعم الثقافة العربية، وتسهم بشكل فاعل في تشكيل جيل جديد من المثقفين العرب، مؤكدين أن ما حققته الشارقة من منجزات ثقافية ومعرفية وفكرية خلال العقود الماضية لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة رؤية ثقافية واسعة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إيماناً سموّه بأن الثقافة هي حجر الأساس لبناء الإنسان والمجتمع.
ويرى مشاركون أن تجربة الشارقة تمثل نموذجاً يحتذى به، إذ إنها لم تكتفِ بدعم الإنتاج الثقافي، بل حرصت أيضاً على تهيئة بيئة معرفية متكاملة تستقطب الأجيال الجديدة وتغرس فيهم حب القراءة والتفكير والنقد، موضحين أنه أصبح العديد من الشباب العربي ممن نهلوا من تجارب الشارقة الثقافية اليوم من الأصوات البارزة في مجالات الأدب والفكر والفنون.
وقالت الشاعرة أسماء أوبيهي: "كانت الشارقة، وما تزال، سبباً رئيسياً في ولادة الكثير من المبدعين العرب الذين وجدوا في مناخها الثقافي أرضاً خصبة لتطوير مواهبهم وتوسيع آفاقهم الفكرية. فقد أتاحت الإمارة، من خلال مؤسساتها ومبادراتها المتنوعة، مساحة حرة، وبيئة محفزة للإبداع، ما مكّن جيلاً كاملاً من الكتّاب والفنانين والمفكرين من الانطلاق بأعمالهم إلى فضاءات أرحب، وتحقيق حضور بارز على الساحة الثقافية العربية".
وأشارت أوبيهي إلى أن دائرة الثقافة في الشارقة قامت بإصدار ديوان لها يحمل عنوان "الأبابيل" للعام 2024، كما أوضحت أن دائرة الثقافة قامت أيضا بإصدار روايتها "أنصاف" الفائزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي للعام 2019.
وأضافت: "تشكل تجربة مشاركتي في مهرجان الشعراء المغاربة في دورته الحالية تجربة فريدة تجعلني فخورة بانتمائي الى التجربة الشعرية النسائية المغربية والشبابية على حد السواء، إذ تحتفي دار الشعر باصوات شعرية من روافد متعددة وبألسن شتى، وهذه هي مشاركتي الثانية مع دار الشعر: فالاولى كانت بدار الشعر بمراكش، والثانية تحتضنها عروس الشمال مدينة تطوان".
وقال الشاعر عبد الأله مهداد إن دار الشعر في تطوان من المنارات الثقافية التي استطاعت أن تسلّط الضوء على فسيفساء الشعر المغربي، هذا الشعر الذي اتسم دائماً بالتنوع على مستوى الأجيال والحساسيات، بالإضافة إلى اختلاف الأشكال والأساليب وطرق الاشتغال، وهو تنوع يعكس الهوية المغربية التي ترتكز أساساً إلى التعدّدية الثقافية والقيم الكونية التي هي أصل كلّ إبداع إنساني.
وأشار إلى أن الشارقة اليوم من أبرز الحواضن الثقافية في العالم العربي، إذ اشتغلت على الإبداع باعتباره جزءاً من مشروع إنساني حضاري، وأن تمنح للمبدع مكانة هامة في ظل التحولات التي يعرفها العالم، محتفية بالتجارب الإبداعية، ومشجعة لها، ومُؤسسةً لأفق إبداعي رحب جعلها وجهةً للمثقفين والكتاب والشعراء من مختلف أقطار الدول العربية.
وقالت خديجة المسعودي: "بكل امتنان نقلني الشعر من مدينة أكادير جنوب المغرب نحو شماله، إلى مدينة الحمامة البيضاء، مدينة تطوان. للمشاركة في مهرجان الشعراء المغاربة، في دورته السادسة، وجاءت مشاركتي مندرجة ضمن موضوع هذه الدورة "الشعر وفنون الأداء" حيث جمعت بين أداء قصيدة النثر وغناء الموشحات مع مرافقة موسيقية".
وعبرت المسعودي عن سعادتها بالمشاركة في المهرجان، مشيدة بالأجواء الثقافية الثرية، والتنظيم المميز الذي عكس مكانة الشارقة كمركز ثقافي رائد.
وألقى الشاعر عادل لطفي الضوء على الدور الذي تمثله الشارقة ثقافيا، وقال: "لا يخفى على أي متابع عربي الدور المحوري الذي تمثله إمارة الشارقة في تعزيز المشهد الثقافي العربي، فهي لم تكن مجرد راعية للأنشطة الثقافية، بل شريكاً فاعلاً في صياغة الوعي المعرفي العربي المعاصر. فمنذ عقود، تبنت الشارقة مشروعاً ثقافياً متكاملاً، يجمع بين الاهتمام بالتراث والانفتاح على الحداثة، ويهدف إلى تمكين الإنسان العربي من أدوات التفكير والإبداع. وقد انعكست هذه الرؤية في سلسلة من المبادرات الرائدة، من معارض الكتب والملتقيات الأدبية، إلى المؤسسات البحثية والمراكز الفنية، التي أسهمت مجتمعة في خلق بيئة ثقافية ديناميكية تحتضن وتغذي الإبداع".
وتوجه الشاعر علي بادون (حائز على الجائزة الأولى في الديوان الأول) بالشكر والتقدير للشارقة على أسهامها في دعم وتشجيع كتابة الشعر، مؤكدا أن هذا الدعم يشكّل حافزاً حقيقياً للاستمرار في الإبداع وتطوير التجربة الشعرية، مضيفا أن المبادرات الثقافية تفتح آفاقا جديدة أمام الشعراء، وتسهم في إبراز أصواتهم على الساحة الأدبية العربية.