جار التحميل...
ويأتي ذلك انطلاقاً من الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي أولى اهتماماً خاصاً بالبيئة منذ عام 1972، وقد أكد سموه التزامه بالاستمرار في المحافظة على البذور والنباتات والحيوانات، موضحاً أن البيئة الطبيعية هي امتداد خارجي لحياة الإنسان.
وقد نجحت الشارقة في إرساء نهج شامل للسياحة البيئية يجمع بين الاستراتيجيات المدروسة والوجهات الطبيعية المتميّزة والتأثير الإيجابي الملموس، وفيما يأتي استعراض تفصيلي لهذا النهج:
تتجه رؤية الشارقة للسياحة البيئية نحو تعزيز مكانتها كوجهة استثنائية تجمع بين الحفاظ على الموارد الطبيعية وتطوير القطاع السياحي، حيثُ تسعى الإمارة إلى الاستفادة من تنوعها الجغرافي الغني لتصبح رائدة في مجال السياحة المستدامة بالمنطقة، وتركز استراتيجيتها على جعل السياحة رافداً أساسياً يسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع الحرص على نشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع وتوفير وجهات طبيعية متميّزة تلبي احتياجات السكان والزوار على حدٍ سواء.
وتعمل الشارقة على تحقيق رؤيتها من خلال إطار مؤسسي متكامل يضم هيئة الإنماء التجاري والسياحي التي تبذل جهوداً مكثفة في الترويج للإمارة وتطوير صناعة السياحة، بالإضافة إلى هيئة البيئة والمحميات الطبيعية التي أُنشئت عام 1998 استجابةً للتطور العالمي والحاجة المتزايدة للحفاظ على الموارد الطبيعية.
ويتمثل دور هذا الإطار المؤسسي في ضمان التوازن بين التنمية السياحية والحفاظ على البيئة، مما يعزز من قدرة الإمارة على تقديم تجارب سياحية مستدامة ومسؤولة تحافظ على الثروات الطبيعية للأجيال القادمة.
تضم إمارة الشارقة مجموعة متنوعة من المحميات والمراكز البيئية التي تقدم تجارب سياحية فريدة وممتعة، وفيما يأتي بعض هذه الوجهات البيئية:
تمثل سفاري الشارقة، التي افتتحها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في فبراير 2022، نموذجاً متميّزاً في مجال السياحة البيئية المسؤولة التي توازن بين متعة الزوار والحفاظ على البيئة.
وتتميّز هذه السفاري بكونها أكبر سفاري في العالم خارج أفريقيا، مما يجعلها وجهة استثنائية للسياح من مختلف أنحاء العالم، فقد نجحت في تنفيذ مشروع استثنائي لزراعة أكثر من 100 ألف شجرة، مما أسهم في تعزيز التنوع النباتي وتوفير موائل طبيعية للحياة البرية، وتشكّل هذه الخطوة ركيزة أساسية في استراتيجية السفاري لتحسين جودة الهواء.
ولم تقتصر إنجازات سفاري الشارقة على الجانب النباتي فحسب، بل تعدّتها إلى تحقيق نجاحات ملموسة في مجال إكثار وحماية الحيوانات المهددة بالانقراض، وتجلى ذلك في استقبال المولود الأول للمها "أبو حراب" في نوفمبر 2022، وهو من الأنواع المنقرضة في البرية، مما يؤكد نجاح برامج الحفاظ على التنوع البيولوجي.
كما استضافت السفاري فعاليات عالمية مرموقة مثل منتدى الشارقة الدولي لصون التنوع الحيوي وورشة إعلام الميتافيرس وطواف الشارقة الدولي، مما عزز مكانتها كوجهة سياحية رائدة تجمع بين الترفيه والمسؤولية البيئية.
يُعد مركز خور كلباء لأشجار القرم الذي افتتحه صاحب السمو حاكم الشارقة عام 2021 معلماً بيئياً بارزاً في إمارة الشارقة، إذ يحتضن أقدم غابة قرم في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويمنح الزوار فرصة فريدة لمشاهدة 150 نوعاً من الطيور الساحلية، ومتابعة برامج إعادة تأهيل السلاحف البحرية.
وينقسم المركز إلى ثلاثة أقسام رئيسية تتيح للزائرين خوض رحلة تعليمية ممتعة، بدءاً من محطة شجرة القرم التي تعرّف بأهمية هذه الأشجار في امتصاص الغازات الدفيئة وعزل الكربون الأزرق، مروراً بمنطقة ما فوق المدية لاستكشاف بعض الكائنات الحية التي تعيش فوق سطح الماء مثل السلطعونات والسرطانات وسمكة نطاط الطين، وانتهاءً بقسم تحت المدية الذي يحتوي على عدد من الكائنات البحرية.
يُشكل منتزه الصحراء في الشارقة وجهة سياحية بيئية متميّزة، يقع على بعد 30 كيلومتراً شرق الشارقة عبر شارع الذيد، ويوفر للزائرين فرصة استثنائية للتفاعل مع النظام البيئي الصحراوي من خلال مركز الحياة البرية العربية الذي يعرض حيوانات محلية نادرة مثل النمر العربي والمها العربي والذئاب العربية.
بينما يتيح متحف الشارقة للتاريخ الطبيعي والنباتي رحلة معرفية عن تاريخ النباتات والحيوانات في المنطقة، وتوجد أيضاً مزرعة الأطفال التي توفر لهم فرصة التفاعل مع حيوانات المزرعة، ممّا يجمع بين المتعة التعليمية والمحافظة على التراث الطبيعي الصحراوي.
يمتدّ مركز الحفية لصون البيئة الجبلية على مساحة 13 كيلومتراً مربعاً في سفح جبال الحجر بمدينة كلباء، ويُشكل المركز موطناً فريداً لثلاثين نوعاً من الحيوانات البرية، من بينها أنواع مهددة بالانقراض كالطهر العربي والنمر العربي والوعل النوبي.
وتتجلى روعة المركز في مزجه بين الطبيعة والفن، حيث تزين أروقته أعمال فنية معاصرة ونقوش قديمة تصور حيوانات المنطقة، ويوفر المركز للزوار تجربة متكاملة من خلال مرافق عصرية تشمل مطعماً بإطلالة خلابة، ومعرضاً ليلياً لمشاهدة الأنشطة الليلية للمخلوقات الصحراوية، مما يحقق توازناً بين الترفيه والتثقيف البيئي.
تُعدّ محمية جزيرة صير بونعير وجهة سياحية بيئية استثنائية في إمارة الشارقة، تبعد 112 كيلومتراً عن الساحل، وتتميّز بكونها ملاذاً للكائنات البحرية المهددة بالانقراض، فهي تستقبل سلاحف منقار الصقر والسلاحف الخضراء النادرة التي تختار شواطئها لوضع بيوضها بين مارس ويونيو سنوياً.
كما تُقدم المحمية للزوار تجارب ترفيهية مسؤولة تشمل الغوص لاستكشاف الشعاب المرجانية المتنوعة وركوب القوارب ومشاهدة العروض التراثية، مع ضمان الحفاظ على التوازن البيئي والتنوع البيولوجي لهذه الجوهرة الطبيعية الفريدة.
تلعب السياحة البيئية دوراً محورياً في تعزيز مكانة الشارقة كوجهة سياحية رائدة على الخريطة الإقليمية، حيث نجحت الإمارة في استقطاب أكثر من 1.4 مليون سائح خلال عام 2022 بفضل تنوع بيئاتها الطبيعية الاستثنائي، وقد استطاعت الشارقة أن تحول هذا التنوع البيئي الذي يشمل البيئات الحضرية والساحلية والجبلية والصحراوية إلى ميّزة تنافسية فريدة، مما مكَّنها من تقديم تجارب سياحية متنوعة تلبي تطلعات الزوار من مختلف أنحاء العالم.
وتبرز الشارقة -في الوقت الذي تواجه فيه صناعة السياحة عالمياً تحديات بيئية جسيمة- كنموذج يُحتذى به في مجال السياحة المستدامة، فبينما تشير الإحصائيات العالمية إلى أن السياحة التقليدية تساهم في تراكم مئات الملايين من أطنان النفايات واستنزاف مليارات اللترات من المياه العذبة سنوياً، بالإضافة إلى توقعات بزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 25% بحلول عام 2030، تقدم الشارقة بديلاً مسؤولاً يجعل من السياحة أداة فعالة للحفاظ على البيئة بدلاً من تدميرها.
وقد نجحت هذه الرؤية المتقدمة في ترسيخ صورة الإمارة كمركز للوعي البيئي والاستدامة، مما يعزز جاذبيتها للسياح الواعين بيئياً الذين يبحثون عن تجارب سياحية تتماشى مع قيمهم في الحفاظ على الطبيعة، كما تساهم هذه السياحة المسؤولة في تحقيق التوازن المطلوب بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، مما يضع الشارقة في موقع متقدم ضمن الوجهات السياحية المستدامة عالمياً.
ختاماً، تقف الشارقة اليوم كشاهد حي على إمكانية تطوير قطاع سياحي مزدهر دون التضحية بالبيئة، بل بالاستثمار فيها وحمايتها، مما يضمن استمرارية هذا النجاح للأجيال المقبلة.
المراجع
[1] sdc.gov.ae, سلطان: البيئة الطبيعية امتداد لحياة المجتمع والحفاظ عليها واجب
[2] worldscoolestwinter.ae, مركز الحفية لصون البيئة الجبلية
[3] sharjah24.ae, سفاري الشارقة يحتفي بالذكرى السنوية الأولى لتأسيسه
[4] moccae.gov.ae, منتزه الصحراء في الشارقة
[5] sharjahtourism.ae, عن الهيئة