جار التحميل...
هذه الحرب التنافسية التي بدأت منذ سنين، ليتحول الأمر من علم جغرافي ثابت مبني على أرقام، إلى اختلافات في وجهات النظر، ونزاعات في رسم الخرائط.
"نهر النيل هو النهر الأطول في العالم" هذا ما اعترفت به موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وما أقرّت به الحكومات الأميركية، وما نشرته العديد من المواقع الإلكترونية الشهيرة أبرزها؛ موقع بريتانيكا (Britannica).
تخالف البرازيل -موطن نهر الأمازون- هذا الاعتراف فتقول إنّ "النيل ثاني أطول نهر في العالم، وإنّ الأمازون بحجمه الضخم يأتي في المرتبة الأولى"، وهذا ما جعل الأمازون هو الأطول في مناهجهم التعليمية التي تُدرّس باللغة البرتغالية.
ونبقى في الجدال نفسه، إذ يؤكد كريستوفر أونداتجي، المغامر الإنجليزي الكندي بأنّ نهر النيل أطول من نهر الأمازون فيقول "ليس هناك شك في أنّ نهر النيل هو الأطول في العالم".
ليخالفه غيدو جيلي؛ المدير السابق لعلوم الأرض في المعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاء، فيقول: "الأمازون أطول من النيل، وليس لديّ أي شك فيما أقول".
مع هذا التباين في الآراء، ما هي الحقيقة؟
بفارق يقارب 212 كيلومتراً، هل النيل أطول نهر في العالم؟
منذ القرن العشرين، وبالإجماع قرّر العالم منح لقب أطول نهر على الأرض للنيل العظيم أو ما يسمى "أبو الأنهار الإفريقية".
وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية فإنّ الفرق بين طول نهر النيل ونهر الأمازون هو 212.43 كيلومترًا فقط (132 ميلاً)، أيّ أنّ نهر النيل الذي يبلغ طوله حوالي 6649.8 كيلومتراً (4132 ميلاً) لا يتجاوز نهر الأمازون البالغ طوله 6437.376 كيلومتراً تقريباً (4000 ميل) بفارق كبير.
قام باحثون صينيون عام 2009م بعملية قياس لأطول أنهار العالم، والتي نشر نتائجها موقع (International Journal of Digital Earth)، إذ تبيّن أنّ المسافة بين منبع نهر النيل ومصبه تصل إلى 7088 كيلومتراً، وهذا ما يجعله في المرتبة الأولى في قائمة الأنهار الأطول في العالم، ثم يليه نهر الأمازون بطول 6575 كيلومتراً.
ما سبب اختلاف أطوال الأنهار بين هيئة المسح الجيولوجي الأميركية والباحثين الصينيين؟
جدل النيل أم الأمازون: ما سبب هذا الاختلاف؟
لماذا يكاد الاتفاق بين العالم على جواب ما النهر الأطول مستحيلاً؟
يقول أندرو جونسون؛ جغرافي في متحف سميثسونيان الوطني في واشنطن: "إنّ تحديد طول النهر أمرٌ صعبٌ في الحقيقة؛ وذلك لأنّ حساب طول النهر يتطلب تحديد العلماء بدقة لمكان بدء النهر وانتهائه، وهذه هي نقطة الاختلاف".
ما تم الاتفاق عليه نوعاً ما؛ أنّ النيل ينبع من صحراء جنوب إفريقيا ويتدفق شمالاً نحو مصر حتى يصب في البحر الأبيض المتوسط، أما الأمازون فينبع في جبال الأنديز ببيرو، ويسير شرقاً إلى البرازيل حتى يصب في المحيط الأطلسي.
ولكن للوصول إلى نتيجة دقيقة؛ يجب تحديد موقع المنبع والمصب للنهر بدقة؛ أي ما إذا كانت بداية النهر تقع في القناة الرئيسية للمنبع أم أنّ بدايته تكون عند أبعد فروع هذا المنبع، وكذلك بالنسبة للمصب! هل هو المصب الرئيسي الأكبر للنهر، أم أنه يقع في نهاية أطول فروعه الثانوية "المصب الأبعد"؟ واختلاف آراء العلماء حول الإجابة عن هذه الأسئلة هو ما جعل الاتفاق على منبع ومصب واحد للنهر أمراً صعباً، وبالتالي عدم وجود رأي متفق عليه حول طول النهر.
هل بتحديد منبع ومصب الأنهار، سيتفق العالم على إجابة ما هو أطول نهر في العالم؟
عملياً الإجابة هي "لا"، يمكن أن يؤدي أيّ انحراف في قياس طول النهر، أو أي تغيير في مساره سواء أكان بسبب تعرجاته الطبيعية أو خطأ بشري إلى نتائج غير متطابقة تماماً.
هل يبقى النهر على حاله مع مرور السنين؟
بالعودة إلى عام 1846، وفقاً لخرائط الأطلس القديمة كان نهر الأمازون هو صاحب لقب النهر الأطول بطول يبلغ حوالي 5149 كيلومتراً، بينما نهر النيل هو الثاني بطول 4425 كيلومتراً!
برأي العلماء، أنّ الأنهار من أكثر التضاريس تغيّراً على الأرض؛ إذ تقوم الظواهر البيئية كالفيضانات والعواصف بتعرية منعطفات النهر وتغيير ملامحه، كما قد يكون للإنسان دور في تحويل مسار النهر بإقامة القنوات والسدود.
لذا، وبالرغم من الجهود المبذولة لتحديد المصب والمنبع بدقة، فإن طبيعة الأنهار وتغيراتها المستمرة تجعل هذه العملية متغيرة باستمرار، مما يضفي عليها جوّاً من التحدي والغموض.
تحدٍّ جديد: لقب النهر الأطول بين الأمازون والنيل!
في محاولة لإثبات أنّ الأمازون هو النهر الأطول، خرج فريق من العلماء البرازيليين برحلة استكشافية استمرت 14 يوماً على طول نهر الأمازون، توصلوا إلى أنّ طول نهر الأمازون يقارب 6800 كيلومتر، وهذا ما يجعله أطول من نهر النيل بأكثر من 100 كيلومتر.
ولكنّ الجغرافي جونسون أبدى رأيه حول هذه التجربة، فقال: "إنّ مصب نهر الأمازون واسع جداً، وهذا ما يجعل اختيار نهايته بدقة أمراً صعباً"، وأضاف بقوله: "حتى أُقّر براحة أنّ الأمازون هو الأطول، يجب أن نعرف أكثر حول كيفية وصولهم إلى هذا الرقم" وهذا ما لم يتم إيضاحه في الواقع.
كما أعلن بعض العلماء سابقاً أنّهم وجدوا أنّ منبع نهر الأمازون في نقطة أبعد، ومنهم المستكشف الأميركي جيمس روكي كونتوس الذي طوّر نظرية جعلت منبع الأمازون في نهر مانتارو في شمال بيرو، مشيراً إلى أنّه في حال قبول نظريته، سيجعل الأمازون أطول بـ 77 كيلومتراً ممّا كان يعتقد الجغرافيون سابقاً.
مع فريق دولي من المستكشفين، وباستخدام قوارب تعمل بالطاقة الشمسية، هل يمكن أن يستحوذ الأمازون على اللقب من النيل؟
يخطّط مجموعة من المستكشفين الانطلاق في رحلة بتنسيق من المستكشف البرازيلي يوري سانادا على طول نهر الأمازون في أبريل 2024، موضحاً أنّ "الهدف الرئيسي من الرحلة هو رسم خريطة لنهر الأمازون، وتوثيق التنوع البيولوجي حوله".
ما زال اختلاف الآراء حول أطول نهر في العالم مستمراً لصعوبة تحديد منبع النهر ومصبه بكل وضوح، فضلاً عن وجود العديد من العوامل التي تؤدي بدورها إلى إحداثٍ تغيرات في مجرى النهر مع مرور الوقت.
المراجع
[1] washingtonpost.com, The Nile is the world’s longest river? Amazon would like a word.
[2] triptrivia.com, The Nile vs. the Amazon: Which River Is the Longest?
[3] careerpower.in, Longest River in the World, List of Top 10 Largest & Longest Rivers
[4] voanews.com, New Quest Aims to Settle Debate Over Which River Is Longest – Amazon or Nile
[5] thenewdaily.com.au, Scientists go to the source to find world’s longest river – Amazon or Nile