الشارقة 24:
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء أمس الأول، بالتعاون مع مؤسسة سلطان العويس الثقافية، جلسة لقاء مفتوح مع القاص البحريني أمين صالح، الفائز في دورة هذا العام من جائزة العويس الثقافية في مجال القصة والرواية والمسرحية، وأدارها الكاتب إسلام أبوشكير، وذلك بحضور الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي، وإبراهيم الهاشمي المدير التنفيذي لمؤسسة سلطان العويس، والشخصيات الفائزة بجوائز المؤسسة لهذا العام، وعدد من المثقفين.
وأوضح إسلام أبوشكير في تقديمه للكاتب، أن ما يميز تجربة الكاتب أمين صالح، هو أنها تنتمي إلى عالم الإبداع بفضاءاته المفتوحة غير المحدودة، وضمن تنويعات في غاية الثراء والعمق، فمن الرواية، إلى القصة القصيرة، إلى الشعر، إلى السيناريو السينمائي والتلفزيوني، إلى المسرحية، إلى الترجمة، إلى المقالة، إلى البحث، إلى النص الحرّ الذي يكتبه أمين صالح متوهجاً ومحلقاً في فضائه الخاص المفتوح غير مقيد بتسمية أو تصنيف، وهي تجربة تتسم بالمغايرة، والخروج على ما هو مألوف في الصيغة، واللغة، والرؤية، والموقف من الذات والعالم.
وأضاف أبوشكير، أن أمين صالح كتب في القصة والنص السردي: (هنا الوردة هنا نرقص، الفراشات، أغنية ألف صاد الأولى، الصيد الملكي، الطرائد، ندماء المرفأ ندماء الريح، ترنيمة للحجرة الكونية)، كما كتب عشرات الأعمال التلفزيونيـة والسينمائية، وكتب في البحوث والدراسات والنقد.
وقدم القاص أمين صالح، بداية شهادة عن تجربته الكتابية استهلها بالقول: إنها بداية علاقته مع السرد القصصي بدأت من حكايات الجدة، وقراءات الكتب التي كان يتداولها الأصدقاء، ومتابعات الصحف والمجلات، ثم محاولات أولى للكتابة، ثم صداقة الشلة الأدبية المفعمة بالحماس، والانخراط في تجمع الأدباء الأكبر، ثم جاءت فترة النضج والرؤية الأعمق، التي اكتشفت فيها أن كل ما بدأنا به كان وهماً، فالكتابة ليست مهنة ولا هي سبيلاً للشهرة ولا وسيلة للعيش أو لتغيير الواقع، بل هي حياة أخرى تعطيك لذة ومعنى أعمق، تعطيك متعة وتستطيع بها أن تعبر عن تجربتك الخاصة، اتضح لي في النهاية أن قدرة الكتابة على التغيير مجرد وهم، لكنها قد تقول للإنسان شيئاً عن وجوده، وتعمق وعيه، وعندما تفعل ذلك تكون أنجزت شيئاً له أهمية.
وأضاف صالح، لم أكتب عن الواقع بشكل مباشر، لأنني لا أخطط مسبقاً لما أكتب عنه، لأنني أكتب بدافع من تجربة ذاتية وحالة وجدانية، فرضتها ظروف ما، وأسعى إلى التعبير عنها من خلال نص يتشكل ذاتياً، أي أن النص غالباً ما يأخذ شكلاً مستقلاً عن ذات الكاتب وتفكيره، فثمة رغبة ملحة تدفعه للكتابة، رغبة لا واعية، وما أثارها شيء غامض هو نتاج الصدفة، وتأخذني الرغبة إلى أرض لم أزرها، وعند كل منعطف أجد شيئاً يثيرني لأواصل الكتابة، لا شيء محدد ولا نهائي في هذه العملية، وعندما أحدد إطاراً مسبقاً لنصي، أصاب بالضجر وأتركه، فالنص يشكل نفسه انطلاقاً من انطباع ذاتي، وليس المنطق هو الذي يحكم، ليس هناك منهاج لبناء الأفكار، فهي تنبع من مصادر متعددة في الحياة، قد يحدث كل شيء بيسر، وقد يستغرق زمناً طويلاً، وأثناء الكتابة كل مكونات النفس تستنفر للعمل، التفكير والمخيلة والمشاعر، وأما في مرحلة المراجعة، فيأتي دور الوعي لننتقي ويحسم.
وعن لغة الكتابة، أشار أمين صالح قائلاً: لا أستطيع أن أبني نصاً باللغة العادية، فالحالة هي التي تفرض لغتها، وهي وليدة لحظة التعبير، لم أكن واثقاً بأن السرد الكلاسيكي سوف يثري نصوصي، واعتبر أن شعرية السرد لم تستثمر بعد، فهي مشلولة عند الكتاب ومزدراة، لكنني شخصياً أركز عليها وأوظفها، فليس تهمة ولا عيباً أن يتسم النص بالشعرية.
وعن مسار تجربته الكتابية، نوه الكاتب البحريني، إلى أنه مسار تراكمي بنائي، فأنا لست من المولعين بالهدم، بنيت عالماً فيه كل نص يكمل ما قبله، في عملية بناء متواصلة بنفس الأدوات، واعتمدت على الاتصال أكثر من الانفصال، والتراكم أكثر من الانقطاع.
وعن العنونة، أكد أنه يميل إلى العنوان الشاعري الذي يولد دلالات، وهو يولد في أي لحظة من لحظات النص، فقد يتبادر إلي العنوان قبل البدء وقد يأتيني أثناء كتابة النص وقد يأتيني بعد الفراغ من النص، فهو رهين بالإحساس وما ينتظم أمامي ذهني من كلمات مناسبة.
وختم صالح حديثه قائلاً: إن الكاتب أحياناً لا يفهم ما يكتبه، لأن اللاوعي يعمل بقوة أثناء الكتابة، ثمة قوة سحرية للحرف والكتابة يعرفها الكاتب قبل كل أحد، ويشكل توظيفها عنصراً أساسياً في خلق الشعرية، وعمل الكاتب هو أن يحلم فحسب، أن يكتب فحسب، هكذا أتنفس الكتابة وأتلذذ بها، هي حصانة ضد الإحساس بالهامشية هي حياة أخرى أعيشها حتى الرمق الأخير وأستمتع بها، وأترك التأويل للآخرين.