الشارقة 24:
استعرض النادي الثقافي العربي في الشارقة؛ "أساليب إخراجية في المسرح الإماراتي"، خلال جلسة ثقافية تحدث فيها الناقد المسرح محمد سيد أحمد، وأدارها مجدي محفوظ مدرس التربية المسرحية، وحضرها جمهور من الفنانين المسرحيين ومحبي المسرح.
في مستهل حديثه قال مجدي محفوظ إن الناقد محمد سيد أحمد هو خير من يتحدث عن المسرح الإماراتي، فهو أحد أكثر المواظبين على متابعة مهرجانات وعروض هذا المسرح، المواكبين له بالنقد والتقييم، وقد أمدته هذه المواكبة بمعرفة دقيقة بتفاصيل وتجارب الحركة المسرحية الإماراتية، خاصة في مجال الإخراج الذي هو حجر الزاوية في كل عرض مسرحي.
قال مجدي محفوظ إن التجارب الإخراجية للمسرحيين الإماراتيين بدأت في الإمارات في وقت مبكر مع انطلاق الأندية وإشهار الفرق المسرحية في سبعينات القرن الماضي، وكانت تلك التجارب تحت إشراف مدربين ومخرجين مسرحيين من الدول العربية استجلبتهم الدولة لتأطير الشباب المتحمسين للمسرح وللانتقال من مراحل الهواية إلى مراحل الاحتراف.
واستهل محمد سيد أحمد حديثه بتحديد الأسلوب المسرحي بقوله: "نتناول الأسلوب المسرحي للمخرج، بما يشير للطريقة الخاصة المميزة، وذات البصمة الشخصية، التي يبني بها المخرج عرضه المسرحي، ويصبح للمخرج أسلوبا خاصة عندما يتكرر نمط من أنماط التنظيم الدرامي، يبرز في كل عروضه المسرحية بعد تجربة وخبرة في إنتاج عروض مسرحية متواصلة، ويتشكل الأسلوب المسرحي من امتزاج وتأثير مجموعة من طرق ومناهج ومدارس الإخراج، ولكل مدرسة فلسفتها ومرتكزاتها النظرية، مما يشكل تحديا جديا للمخرج في اجتراح طريق جديد يكون نتاجا لتفاعل هذه التأثيرات المختلفة لتظهر في شكل فني متناغم، يحقق معادلة الاستفادة من مدارس مسرحية مختلفة، دون الوقوع في عشوائية الاختيار".
وتحدث سيد أحمد عن بداية الإخراج المسرحي في الإمارات وإسهامات المسرحيين العرب، صقر الرشود وإبراهيم جلال ويحيى الحاج ويوسف عيدابي وعبد الإله فؤاد الشطي ويوسف خليل والمنصف السويسي وزكي طليمات.
ثم تحدث عند تجربة رائد الإخراج المسرحي في الإمارات عبد الله المناعي الذي قدم عروضا مسرحية بديعة، وتميز بأسلوب "مسرح الصورة" الذي يستعيض عن الكلمة بالإيماءة وتعبير الجسد والحركة، وكانت تلك البداية لتنطلق بعدها التجارب الإخراجية لتلامذة المناعي والمخرجين الشباب الذين جاؤوا بعده، وحدد محمد سيد أحمد ثلاث تجارب إخراجية هي التي توقف عندها، ورأى أنها تجارب بارزة في المسرح الإماراتي، وتمثل أهم سماته وتوجهاته، وهي تجارب كل من "محمد العامري وحسن رجب وناجي الحاي".
وعن السمات المميزة لأسلوب محمد العامري؛ قال الناقد إنها تتمثل في الاهتمام بالصورة، حيث إنه العامري يفكر عبر الصورة، ويرسمها في ذهنه كأبنية مستقلة، ثم يعمد إلى ربطها عبر الأحداث، كذلك يولي عناية فائقة للسينوغرافيا، ويتخيل المكان ويبتكره، كما يعتمد المجاميع في إحداث حركة مثيرة ومؤثرة، ويولي أهمية قصوى لأداء الممثل.
وأضاف أن العامري لا ينطلق من نص جاهز كليا، لكنه يتبع أسلوب الورشة في كتابة النصوص، حيث يتعاون مع الكاتب المسرحي في صياغة الرؤى الإخراجية، التي يتخيلها للأحداث، على شكل نص متنامٍ يتم نقاشه وبناؤه مع الكاتب عبر ورشة متواصلة إلى أن تكتمل الرؤية، ويصبح النص جاهزاً، وتصور العمل جاهزا كذلك، فيبدأ العامري في تنفيذ عرضه.
وعن ناجي الحاي قال محمد سيد أحمد إنه أحد أبرز المخرجين الذين تركوا بصمة عبر مسرحياتهم، وهو مؤلف مسرحي قدير تصلح نصوصه لقراءتها والاستمتاع بها، "حبة رمل، وما كان لأحمد بنت سليمان بنت عيسى. باب البراحة، وأيام اللؤلؤ. العميان، وزكريا حبيبي"، ودارت موضوعاتها حول قضايا اجتماعية وإنسانية عميقة، واستطاع في تجاربه الإخراجية لتلك النصوص أن يلامس ذلك الجوهر الإنسانية العميق، ويشد المتفرجين إليه عبر حبكات إخراجية ذكية، وهو أول مخرج إماراتي يعرض في أوروبا، في فرنسا وإسبانيا، ويرتكز أسلوبه الإخراجي على العناية بالممثل باعتباره العنصر الأساسي على الخشبة، وحوله تدور العناصر الأخرى، كما كان اتسم أسلوبه أيضاً بالتقشف في الديكور والأزياء سعيا منه إلى أن يركز انتباه المتفرج حول الممثل والحدث الجاري، ويعطي الزمن للشخصيات حتى تنمو وتتحد توجهاتها ومواقفها.
وأضاف محمد سيد أحمد أن مسرحيات ناجي الحاي في معظمها واقعية اجتماعية بأفق إنساني، وبالرغم من الطابع المحلي لأعمال ناجي الحاي المسرحية، إلا أنها حملت خصوصية عربية بأفق إنساني، وسيظل أثره عميقا في المسرح الإماراتي.
التجربة الثالثة المهمة التي تناولها محمد سيد أحمد هي تجربة المخرج حسن رجب الذي أخرج مسرحيات "مال الله الهجان.. فالتو 1 و 2.. البقشة .. التراب الأحمر .. نهارات علول بين الجد والهزل، أشياء لا تصلح السلوقي.. أشوفك .. علكة صالح.. سجل كلثم اليومي"، وقد ظهر أثر التخصص الأكاديمي في عمل حسن رجب خريج المعهد العالي للمسرح في الكويت واضحا في تجربته الإخراجية، حيث اتسمت بالتنويع بين المدارس الإخراجية المختلفة، والإيقاع المنضبط والاهتمام بعنصر الفرجة وضبط "الميزانسين"، وإضفاء رونق بصري على العروض، كما اهتم بصناعة جمال الصورة بإمكانيات وتقنيات بسيطة، واستثمار الكوميديا من خبايا اللهجة الإماراتية، فتأتي النكتة عميقة ومؤثرة.
وأضاف محمد سيد أحمد أن حسن رجب اتسم في عموم تجاربه بالواقعية الاجتماعية وتطويع المسرح الاحتفالي، كما كانت له مفاجآت إخراجية خرج بها عن النسق، وقدم حلولا ممتازة، ففي مسرحية "آباء للبيع والإيجار" وزع بقعا ضوئية على الخشبة قبل بداية الأحداث، وفي مسرحية علكة صالح، وضع الممثل فوق كرسي ثابت ليقدم مسرحا داخل المسرح، وفي مسرحية حاميها حراميها، وضع عددا من الممثلين في صناديق خشبية راسية تلخص التراتبية الاجتماعية للشخصيات.
الأمسية شهدت مداخلات عدة كان أبرزها مداخلة المخرج محمد العامري الذي قدم العامري الشكر الجزيل لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، مشيداً بدعمه ورعايته الفائقة للمسرح والمسرحيين، كما شكر الناقد محمد سيد أحمد على اهتمامه ومتابعته الدقيقة للحركة المسرحية الإماراتية، وأكد ما ذهب إليه في شأن أسلوبه هو شخصياً في الإخراج حيث يعتني بعنصر الصورة وبالإدارة الجيدة للمجاميع، ويمزج البراعة في المزج بين عنصر التكنولوجيا والمواد الطبيعية في السينوغرافيا، ويهتم بعتبات العرض من ملصقات وبكتيب المسرحية وبطريقة الختام التي تبقى في ذهن المتفرج، وأضاف العامري أنه دائم التجريب والبحث عن طرق جديدة للخروج من العلبة الإيطالية أو تحويرها والتصرف فيها بجدة.
كما قدم العامري تحية للمخرجين العرب الذين عاصروا نهضة المسرح الإماراتي، وأسهموا فيها بالتدريب والتعليم، أمثال المنصف السويسي وصقر الرشود وفؤاد الشطي ويحيى الحاج وأحمد عبد الحليم وقاسم محمد.