الشارقة 24:
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة مساء السبت، أمسية ثقافية بعنوان "الثنائية الضدية في الفكر الإنساني" تحدثت فيه الدكتورة سمر الديوب، وعقب عليها الدكتور صالح هويدي، وأدار الجلسة الدكتور محمود بكري، وذلك بحضور الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي وعدد من المثقفين والكتاب.
وفي تقديمه للموضوع قال د. محمود بكري: "إِنَّ الثُّنَائِيَّةَ الضِّدِّيَّةَ لَيْسَتْ مَجَرَّدَ مَفْهُومٍ فَلْسَفِيٍّ، بَلْ هِيَ نَبْضُ الفِكْرِ الإِنسَانِيِّ ذَاتِهِ، وَقَنْطَرَتُهُ لِفَهْمِ العَالَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْهُ؛ فَمِنْ دُونِ التَّضَادِّ لَا يَتَكَوَّنُ المَعْنَى، وَمِنْ دُونِ الصِّرَاعِ لَا تَنْبَثِقُ الفِكْرَةُ، وَكما قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي:
ونذُمّهم، وبهم عرفنا فضله! وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الأَشْيَاءُ
فمِنَ الجَاحِظِ الَّذِي رَأَى فِي المَحَاسِنِ وَالأَضْدَادِ مَرَايَا لِلإِنسَانِ، إِلَى دِرِيدَا الَّذِي فكك الثنائيات ليكشف استراتيجيات الهيمنة، يَبْقَى السُّؤَالُ وَاحِدًا: هَلْ يُمْكِنُ لِلْمَعْنَى أَنْ يُولَدَ إِلَّا مِنْ رَحِمِ الاِخْتِلَافِ؟
وقد اقترن حديث الدكتورة سمر الديوب عن "الثنائية الضدية في الفكر الإنساني"، بكتابها الصادر حديثا عن دائرة الثقافة في الشارقة بعنوان "الإيقاع الثنائي الضدي"، الذي تجولت فيه في خريطة الفكر الإنساني فلسفيا وأدبيا وعلميا متتبعة تجليات الثنائية في الظواهر والأفكار والمناهج.
وفي مستهل حديثها قالت الدكتورة سمر الديوب: "تعد الثنائية الضدية ظاهرة فكرية عابرة للثقافات، تشكل نسيج التفكير والتعبير الإنسانيين، تقدم هذه المحاضرة مساراً تفصيلياً لفهم كيف تتعامل الثقافات المختلفة من الشرق إلى الغرب - مع الأضداد، وكيف تثري هذه العلاقة الإبداع الإنساني، هي إذاً محاولة لفهم الطريقة التي يفكر بها العقل الإنساني، ويصنع بها الأسطورة، ويكتب بها الشعر، وينتقد بها نفسه من عالم الأساطير إلى تفكيك دريدا، ومن الجاحظ إلى الجرجاني، ومن العلم إلى الفلسفة تتقافز الثنائيات أمامنا، لا لتشرح العالم، بل لتفضح ارتباكه".
وعرّفت الثنائية الضدية بأنها مصطلح فلسفي يشير إلى وجود زوج من المبادئ أو المفاهيم المتقابلة والمتعارضة، التي تفسر بها الكون أو الفكر الإنساني مثل: الخير / الشر، النور/ الظلام"، مضيفةً أن التناول الفلسفي الواضح لمفهوم الثنائية بدأ في الفلسفة اليونانية مع كل من فيثاغورس وأفلاطون، وفي الفلسفات الشرقية ظهرت في الصين القديمة ثنائية بانغ وبين كإيقاع كوني وتوازن حيوي، وفي الهند جرت محاولات التوفيق بين الأضداد عند الفلسفات الهندوسية والبوذية، وفي مذاهب الزرادشتية والمانوية توجد ثنائية واضحة في المقابلة بين الخير والشر، النور والظلمة، وفي الفلسفة العربية الإسلامية تتجلى الثنائية مع الفارابي والمدينة الفاضلة ابن سينا وقصيدته العينية وكذلك أطروحات ابن رشد.
وتناولت المحاضِرة تجليات الثنائية في علم الطاقة والعلوم الفيزيائية والرياضية، وفي الفكر الفلسفي الحديث، لدى هيجل وماركس ودريدا، وفي اللغة والأدب مع أطروحات دي سوير والرومانسية والبنيوية والتفكيكية، وأشارت إلى أن ما قدمه الفكر الإنساني الحديث شرقا وغربا زاخر بأبنية الثنائيات الضدية، مبينة في كل ذلك كيف يتولد المعنى من التصادم بين الأضداد، وكيف أن الفكر ذاته لا يتحرك إلا بوجود ضده، من الحياة والموت، إلى الذات والآخر، إلى الدال والمدلول، فكل شيء يشتغل ضمناً تقابل متوتر.
وفي تعقيبه على المحاضرة ثمن الدكتور صالح هويدي الأطروحات التي قدمتها الدكتورة سمر وسعة اطلاعها، ثم توقف عند حقيقة كون التضاد والتقابل بين الأشياء المتناقضة هي من المعارف التي يدركها الإنسان بالطبيعة، ويتلقاها بالتجربة اليومية، فهي معرفة بشرية تولدت مع الإنسان منذ وجد على هذا الكون، لأنه يعقل الحياة، ويرى الموت، ويدرك الشر في مقابل الخير عندما يصيبه، فتناقضات الحياة تولد بالضرورة معرفة بالثنائيات، وأن الحياة مبنية عليها، وقد بدأ التنظير لها مع فجر الفكر الإنساني، وظل متواصلا إلى اليوم.
واختتم الدكتور عمر عبد العزيز بالتعليق على الموضوع: "إن د. سمر ديوب أبحرت مع الثنائية الضدية في رحلة شيقة وشائكة في تضاريس المفهوم وتقلباته التاريخية، وانعكاساته الشاملة على الفنون والآداب والفيزياء والرياضيات والألسنيات والموسيقى، وقد حادثت المؤلفة كل تلك الأبعاد في موضوع انشطاري بطبيعته، بقدر ما هو موثق بنغمات الوجود بشقيه الحاضر والغائب".