الشارقة 24:
ناقش عدد من الأدباء والروائيين مفهوم "تقمّص الشخصية" في الكتابة الإبداعية، خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، جمعت الكاتب والأديب نبيل سليمان، والروائية الحاصلة على جوائز دولية كاتيا أبيكينا، والكاتبة والباحثة رهف السبع، والكاتبة سارة لابري، وأدارت الجلسة عائشة المازمي.
انقسام الكاتب إلى "أنَوَاتٍ متعددة"
وأكد الكاتب والأديب نبيل سليمان أن كتابة الرواية تتطلب من الكاتب الانقسام إلى "أنَوَاتٍ متعددة"، معتبراً أن "الكاتب خلال عملية الكتابة يعيش في ذوات شخصياته جميعها، سواء كانت خيّرة أو شريرة، رجلاً أو امرأة، قاتلاً أو ضحية".
وأضاف أن الروائي مُجبَر على تقمّص كل شخصية ليكتبها بصدق، حتى وإن كانت سلبية كالمجرم أو الديكتاتور"، مشيراً إلى أن بعض الكتّاب يقعون في مأزق حين تأسرهم شخصية روائية واحدة فلا يستطيعون الانفصال عنها لبناء شخصيات جديدة.
ولفت إلى أن أصعب ما واجهه في تجربته هو بناء الشخصيات النسائية، فضلاً عن اختيار إحدى الشخصيات التي أثّرت في تكوينه الأدبي، بدلاً من أن يكون هو المؤثر فيها.
الكتابة عن شخصيات مختلفة لا تشبه الكاتب
من جانبها، تحدثت الروائية كاتيا أبيكينا عن تجربتها في بناء الشخصيات، موضحة أن روايتها تتناول قصة شقيقتين في مرحلة المراهقة، وتُروى من وجهة نظر الفتاة الكبرى. وقالت: "أحب الكتابة عن أشخاص يختلفون عني تماماً، لأن الكتابة بالنسبة لي هي محاولة لفهم الآخر، وفهم الأسباب التي تدفعه إلى سلوكٍ ما، حتى وإن كان خاطئاً".
وأضافت: "حين أكتب، أضع الكثير من العاطفة في النص، ليس بالضرورة لأنني أتفق مع الشخصية، بل لأنني أحاول أن أفهم دوافعها".
الذكاء العاطفي المتقدّم مطلوب لدى الكاتب
أما الكاتبة والباحثة رهف السبع، فأوضحت أن تقمّص الشخصية يمثل نوعاً من "الذكاء العاطفي المتقدّم"، مشيرة إلى أن الكاتب الحقيقي يستطيع أن يمنح الإحساس لكل ما يكتب عنه، حتى الجمادات. وقالت: "نحن ككتّاب نتحدّث عن رصيفٍ يخاطب المارة، أو وردةٍ تتحدث إلى الناس، فالتقمص هو الغوص في النفس البشرية، دون أن نغرق فيها"، مضيفة أن بعض الكتّاب يلجؤون إلى العلاج النفسي بعد انتهاء أعمالهم نتيجة صعوبة الخروج من الشخصيات التي عاشوها أثناء الكتابة، مؤكدة أن هذا الجانب يتجلى بصورة أوضح في الرواية مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى.
وتحدثت عن محاولتها الحفاظ على التوازن العاطفي أثناء الكتابة، قائلة: "أحاول ألا أظهر تعاطفي أو انفعالي العاطفي مع الرواية لأنها خيالية، خصوصاً عندما أفهم شخصيات أخرى غير الشخصية الرئيسية، فكل شخصية تمثل مجموعة من التحديات التي تواجه بطل الرواية، ولها عمق تربوي وأسري واجتماعي، إضافة إلى ارتباطها بالمكان الذي نشأت فيه".
وأضافت: "القفز بين الألم والفرح، وبين الشعورين المتناقضين، يمثل تحدياً كبيراً للكاتب، إذ يعاني كثير من المبدعين من اضطراب ثنائي القطب نتيجة الانتقال المستمر بين القطبين النفسيين أثناء عملية الإبداع".
واختتمت رهف السبع حديثها بالإشارة إلى أنها تعمل حالياً على رواية جديدة، لكنها تتردد في إنجازها سريعاً بسبب الخوف من عمق التقمّص الذي تتطلبه الشخصيات، مؤكدة أن "القدرة على التقمص هي أحد أهم ما يمتلكه الكاتب في بناء العمل الأدبي".
الكتّاب ينجذبون إلى الجوانب العاطفية
بدورها، قالت الكاتبة والمحررة سارة لابري: "أعتقد أن معظم الكتّاب ينجذبون إلى الجوانب العاطفية في حياتهم، ويجدون فيها ما يستحق الكتابة. ففي أحد كتبي تناولت صعوبات واجهتني في طفولتي، والعديد من المواقف التي تركت أثراً عميقاً في نفسي، وما زلت أشعر بأنها حاضرة إلى اليوم، وهذه من روائع مهنة الكتابة؛ أن نعيد اكتشاف ذواتنا من خلالها."
وأضافت: "يجب على الكاتب أن يتعمّق في عواطفه، وأن يعمل وفق ما تمليه عليه مشاعره ليستكشفها بصدق، رغم ما يرافق ذلك من صعوبة، فقد كنت أحتفظ بمذكرات مفصّلة منذ الصغر، أعود إليها دائماً لأستحضر تلك الأحاسيس وأعبّر عنها بوضوح في نصوصي".