جار التحميل...
الشارقة 24:
نظمت جمعية حماية اللغة العربية في مقرها بمدينة الشارقة ندوة أدبية بعنوان "قراءة في أدب أحمد شوقي"، وذلك ضمن برنامجها الثقافي السنوي الهادف إلى تعزيز مكانة اللغة العربية وآدابها في الوعي المجتمعي وترسيخ قيمها في نفوس الأجيال.
شارك في الندوة التي جرت مساء الأحد، في مقر الجمعية نخبة من الأكاديميين والنقاد، هم: الدكتورة هند عبد الرحمن المشموم، والدكتورة عائشة محمد الحمادي، والدكتور مهدي عواد الشموطي، وأدارتها الأستاذة حمدة العوضي، بحضور الدكتور سعيد عبيد بالليث الطنيجي رئيس مجلس إدارة الجمعية، ومحمد شعيب الحمادي عضو مجلس الإدارة المدير المالي والإداري، إلى جانب عدد من أعضاء الجمعية والمهتمين بالشأنين الأدبي والثقافي.
شوقي.. شاعر القيم والتربية
استهلت الأستاذة حمدة العوضي الندوة بكلمة ترحيبية أكدت فيها أن هذا اللقاء يمثل باكورة الفعاليات الحوارية الحضورية للجمعية في عام 2025، مشيرةً إلى أن اختيار أدب أمير الشعراء أحمد شوقي جاء لما يحمله من قيم تربوية وفكرية وأخلاقية رفيعة ما زالت تلهم الأجيال، وتغذي الفكر العربي.
واستُهلت المداخلات بقراءة تحليلية للبيت الشهير:
قم للمعلم وفّه التبجيلا … كاد المعلم أن يكون رسولا
وقدّمت الدكتورة هند المشموم رؤية نقدية لهذا النص، موضحةً أن شوقي لم يكن شاعرًا فحسب، بل مفكراً نهضوياً أدرك أهمية التعليم في بناء الإنسان وصناعة الحضارة، وأضافت أن هذا البيت لا يكرم المعلم فقط، بل يرسّخ مكانته بوصفه حاملًا لرسالة تربوية خالدة تتجدد مع مرور الزمن.
أما الدكتور مهدي عواد الشموطي، فأشار إلى أن شوقي، وإن لم يكن معلماً بالمعنى الأكاديمي، إلا أنه في شعره رفع من شأن التعليم، وجعل من المعلم رمزًا للنهضة والإصلاح، بينما كان حافظ إبراهيم هو المعلم الحقيقي الذي عبّر عنه شوقي رمزيًا في شعره.
من جانبه، قدّم الدكتور سعيد بالليث الطنيجي قراءة دلالية عميقة لشطر البيت الثاني "كاد المعلم أن يكون رسولا"، موضحاً أن اختيار شوقي لكلمة رسول بدلاً من نبي يحمل دلالة فكرية رفيعة، إذ يربط المعلم بالرسالة الإنسانية العامة التي تتجاوز الحدود الجغرافية والدينية، فالمعلم رسول معرفة وتجديد، يبعث الفكر في كل زمان ومكان.
الرمز والقيم في شعر شوقي
وفي مداخلة أخرى، تناولت الدكتورة عائشة الحمادي الرمزية في شعر أحمد شوقي، متوقفة عند قصيدته الشهيرة:
ظهر الثعلب يوماً في ثياب الواعظين … ومشى في الأرض يهدي ويسبّح في العابدين
وأوضحت أن شوقي استخدم الرمز الحيواني بأسلوب بسيط وذكي لإيصال القيم التربوية والأخلاقية، مما جعله من أوائل من وضعوا أسس أدب الأطفال الهادف في العصر الحديث. وأضافت أن شعره اتسم بالبساطة والعمق في آن واحد، واستطاع أن يجمع بين الجمالية الشعرية والمضمون الأخلاقي، في انسجام تام مع ما توليه دولة الإمارات اليوم من اهتمام بالقيم والسنع والأخلاق في المناهج التربوية.
وكما تطرّق الدكتور مهدي الشموطي إلى الجانب الوطني في شعر شوقي، مشيرًا إلى أن قصائده القومية والإسلامية عبّرت عن روح الأمة، واستلهمت التاريخ العربي والإسلامي في صور فنية بديعة، ومن ذلك قصيدته في صلاح الدين والأمة الإسلامية التي جاءت على البحر الوافر بإيقاع حماسي مؤثر.
وفي جانب المدائح النبوية، أشار الشموطي إلى قصيدة شوقي الخالدة:
وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضياء … وفمُ الزمانِ تبسّمٌ وثناءُ
مبينًا أن شوقي، رغم كونه شاعر البلاط وأحد رموز التنوير، فقد أبدع في هذا اللون الشعري، مجسدًا محبته الصادقة للرسول صلى الله عليه وسلم، وخلّد قصائد تُتلى في المناسبات الدينية، وتُدرّس في المحافل الأدبية.
خاتمة الندوة
وفي ختام الندوة، أجمع المشاركون على أن أحمد شوقي لم يكن مجرد شاعر كلاسيكي، بل مدرسة فكرية وأدبية متكاملة جمعت بين الفن والتربية، والوطنية والدين، والرمز والجمال.
وأكد الحضور أن شعر شوقي ما زال يمثل منارةً للقيم الإنسانية، ورسالة متجددة في خدمة الهوية واللغة والنهضة الثقافية.